إبداعات العلامة توفيق الشاوي في كتابه ” فقه الشورى والاستشارة”
أكتب هذه المقالة بصفتي فقيها قانونيا درس القانون وتخصص فيه، ودرس الفقه الإسلامي وقرأه.
فأقول:
إن الدكتور الشاوي يقدم في كتابه فقه الشوري والاستشارة (مجلدين في 843 صفحة) نظرية تحليلية وعميقة عن الشورى، ويعتبر د.سعد بن مطر العتيبي في مقالته تحت عنوان (الشيخ توفيق الشاوي رجل المشاريع الصامت) هذا الكتاب كونه “نقلة نوعية هائلة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وسيظل هذا الكتاب مرجعاً لفترة طويلة في المستقبل نظراً لجدة الاجتهادات التي تضمنها، ولعمقها ورسوخ جذورها الشرعية، واستيعابها للقضايا المركزية التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر”.
تعريف الشورى وثمرتها:
يعرف الشاوي الشورى كونها : “ الوسيلة التي فرضتها الشريعة لصدور قرار من الجماعة ملزم لها ولأفرادها وحكامها”، ويفرد الكاتب الكثير من النقاش لفكرة رئيسة تتعل بجدوى الشورى وهي فصل الجهاز التنفيذي في الدولة عن الجهاز التشريعي، ويذكر أن تاريخ الإسلام لطالما كان المشرعون الفقهاء مستقلين عن الخلفاء والأمراء، وبذلك استمرت الشورى في الأمور الفقهيه والتشريعية وإن تعطلت في موضوع اختيار الحكام ومراقبتهم.
منزلة الشورى في الإسلام:
ويقرر الشاوي أن الشورى في الفقه من أول الأصول الشرعية، وأنها تدخل في الفقه في مرحلتين:
الأولى: مرحلة الاجتهاد والحوار بين العلماء وأهل الذكر من أجل الوصول إلى حكم يرجحونه في حالة عدم وجود نص من القرآن أو السنة .
الثانية: مرحلة الاختيار بين المذاهب الاجتهادية المختلفة التي يريد الفرد أو الجماعة الالتزام بها أو اتباعها أو تقنينها.
ويرى أن الشورى لم تخل عن حياة المسلمين يوما ما عدا تعطيلها في مجال الحكم والسياسة، وأنها استمرت حتى بعد إغلاق باب الاجتهاد وحسب الشاوي (لأن الذي أقفل بابه هو الاجتهاد المطلق المنشئ لمذهب فقهي جديد ” ولم يقفل النظر في مسائل الفقه المختلفة إذ الاجتهاد يظل فيها مفتوحا).
أقسام الشورى وأثرها الإلزامي:
ويقسم الشاوي الشورى والاستشارة إلى سبعة انواع :
- طلب المشورة الشخصية.
- طلب مسؤول رأي خبراء.
- طلب قاضٍ رأي خبير في حكم شرعي.
- فتوى في حكم شرعي.
- تشاور الأمة بشأن قرار سياسي مهم.
- تشاور ممثلي الأمة بشأن وضع نظام دستوري.
- وقرار مجتهدين لاستنباط حكم فقهي.
ويؤكد الشاوي أن الثلاثة الأخيرة من هذه السبعة شورى قرارها ملزم للأمة ولا يستبدل إلا بإجماع مماثل، بينما الأربعة الأولى إما اختيارية لارتباطها بصاحب المشورة إو عبارة عن فتوى فقهيه عادية.
المبادئ الضابطة للشورى:
ويرى الشاوي أن الشريعة حصّنت الشورى بمبدأين أساسين هما :
الأول: استقلال الشورى في الفقه عن الشورى في نطاق الحكم والسياسة ، وهذا يقتضي ان تكون الشورى في نطاق الفقه تبادل للرأي وحوار علمي مستقل ومنفصل عن الشورى في مجال السياسة، ويترتب على هذا تعطيل الشورى في السياسة دون مجال الاجتهاد والاجماع.
الثاني: ارتباط الشورى بالشريعة، وهذا جعلها خاضعة لمبادئها الأخلاقية الثابتة، وملتزمة بسيادة الشريعة وأصولها وشمولها، وسد مسد ما يعتبره الكاتب “شورى الظالمين”.
وهنا يؤكد الشاوي أن للشريعة ميزة الاستقلالية من نظام الحكم وحفاظها على كونها تبقى علما وفقها وفكرا يتمتع باستقلال كامل (هذا واضح في تاريخ المسلمين فمؤسسة الفقهاء لم يتنازلوا عن العمل على منع الولاة سواء من الأمويين والعباسيين من التدخل في تفسير الفقه، وهنا رفض مالك فرض مذهبه وامتنع الشافعي عن تقلد منصب القضاء وأحمد تصدى بشجاعة وبإيمان لمحاولات الخليفة أو الملك لفرض وجهة نظره في تفسير القرآن مما يجعل الإمام أحمد حامل لواء حماية الفقه من الذوبان في إرادة المؤسسة الحاكمة حسب رأيي).
ويقرر الشاوي أن الشورى لا تتحقق إلا بتوفر الحرية وبأن “الحرية هي جوهر الشورى في الفقه وفي السياسة، وأن حرية الشورى هي أساس حماية حقوق الأمة والشعب في إقامة الحكومة والرقابة على السلطات وانها الوسيلة الوحيدة لوضع دستور الحكم التعاقدي، وأن قرار أهل الشورى باختيار الرئيس أو الإمام هو أهم قرارات الشورى الملزمة” ( وقد نقل القرطبي في تفسيره عن ابن عطية قوله “الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه” ما يعني أن الشورى لازم تلعب دورها في عزل الإمام وتوليته وليس هناك ولاية مؤسسة من القصر إلى القبر).
الشورى والديمقراطية:
وفي مقارنته بين الشورى والديمقراطية، يقرر الشاوي وجود فراغ تنظيمي في الشورى الإسلامي تحتاج إلى الملء باتباع الأساليب الديقراطية مثل الانتخاب والتصويت ، وحرية الرأي بينما يشير إلى الفراغ الشرعي الموجود في الديمقراطية، ما يعني يقرر ضبط الديمقراطية بالشريعة الإسلامية ما يدل على الحاجة إلى عملية تكاملية تستفيد الشورى من الديمقراطية في الآليات، وتستفيد الديمقراطية من الشورى في الضبط الشرعي (ما يعني أن ممارسة الشورى هي امتثال للوحي، وأن التزام الشورى لا يأتي فقط من باب المصلحة والمنفعة – كما هي الحال في الديمقراطية – إنما هي دين يتعبد به المسلم لربه سبحانه، سواء في حياته الخاصة مع زوجه وأبنائه، أو في حياته العامة في الحكم والسياسة)..
ويلخص الشاوي أهم ما تتميز الشورى عن الديمقراطية:
– الشرعية: فالشورى الاسلامية تؤؤس وتنطلق عن مصادر الشريعة الاسلامية في الديمقراطية الغربي تنطلق من منطلقات النظريات الغربية
– الشمولية: الشورى الاسلامية تتجاوز نطاق الديمقراطية المحصور في نطاق نظام الدولة والدستور إلى كونها نطاق عام ينظم حياة المجتمع وسلوكياته على مستوى الشعبي والفردي
– القداسة: الدمقراطية تضفي قداسة على قرارا الاغلبية عبر وضعها في الدستور في حين قرار الأغلبية في ظل الشورى لا تحمل تلك القداسة و يبقى القرار نسبي او ظني لا قطعي
– الضابط: الحرية والعدل شرطان أساسيان لقرار الأغلبية في ظل الشورى في حين الحرية وحدها هو المطلوب في ظل قرار الاغلبية في الديمقراطية ( فمثلا إذا قرر الأغلبية قرارا يناقض مبادئ العدالة فلا بأس بع ظل الديمقراطية في حين يكون لا غ في ظل الشورى الاسلامية إذا يتجاوز ضابط العدالة).
وأخيرا فإن الشاوي يردد مقولات عدّة حول الشورى في ثنايا كتابه مثل قوله : ” الشورى هي الحكم الراشد ” و ” إن أمة بلا شورى يمكن أن تتأخر ولا يمكن أن تتقدم ” و ” الشورى أساس حقوق الإنسان ” و ” الشورى تجفيف لمنابع الاستبداد ” وغيرها من مقولات ملهمة.
بقلم سالم سعيد سالم
كاتب وباحث في القانون والفقه الإسلامي