نشكر لمركز المقاصد على عقد هذه الحلقة القيمة والتي ناقشت أبعاد تداولات (فوركس) سواء كان البعد الاقتصادي والقانوني والفقهي، وكما يقال الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن الوصول إلى الحكم الشرعي لمثل هذه الظاهرة إلا عن طريق دراسة كل أبعاد الظاهرة وتشخيصها.
الفوركس تقع حسب المختصين في دائرة المتاجرة بالهامش والتي هي عبارة عن منظومة عقدية إذعانية تقوم على عمليات مصارفة مضاربية تمول جزئيا بهامش يدفع المتاجر ويتمم الجزء الرئيس من التمويل بقرض تقدمه الجهة الممولة على أن يكون محل العقد (النقد المشترى) رهنا وضمانا لمبلغ القرض، وعلى أن تدار عمليات هذه المتاجرة عبر مرافق شركة الوساطة وبقوامته.
تصنيف المشاركين في فوركس:
يمكن تقسيم المشاركين في معاملة (فوركس) إلى أربعة أطراف:
الطرف الأول: هو المستثمر أو العميل الذي يرغب في المتاجرة بالعملات الأجنبية من خلال شركة الوساطة.
الطرف الثاني: شركة الوساطة أو السمسرة والتي يختار المتاجر التعامل معها، وهناك نوعان من الشركات: شركات سمسرة رئيسية لديها مكاتب تعمل في الأسواق العالمية، والنوع الثاني هم الوسطاء المحليون في البلدان المختلفة الذين لديهم حسابات وتعاون مع الشركات الرئيسية، وقد تقوم بعض البنوك بهذه العملية أو من خلال محافظها الاستثمارية الخاصة به.
الطرف الثالث: الجهة المقرضة والتي تقدم الرافعة المالية في نظام الهامش، وهي إما أن تكون بنكا، أو شركة الوساطة نفسها، وفي حال كون المقرض هو البنك فإنه يقوم بإقراض شركة الوساطة على أن تقوم بدفع الحد الأدنى من الفائدة للعملة في السوق، أما بالنسبة للمتاجر فإنه يقوم بدفع فائدة أعلى مما تدفعه الشركة.
الطرف الرابع: هو صانع السوقMarket Maker، وهو الذي يقوم بتحديد الأسعار في السوق وطرح ما لديه من مخزون عملات للمتاجرة فيه، وهو غالبا ما يكون من البنوك العالمية.
وهناك طرف خامس: وهم جمهور الممولين المسترسلين، وهؤلاء يظهرون عندما لا يملك المتاجر في بعض الحالات حتى الهامش الابتدائي؛ فإنه سيلجأ إلى هؤلاء المسترسلين الذين تستهويهم أرباح هذه التجارة أو أخبار أرباحها للحصول على التمويل بوصفهم مضاربين (عمال مضاربة يتاجرون بأموالهم). فهم اللذين يجهزون المتاجر بالهامش الابتدائي بوصفه مضاربا.
ويقوم العمل بنظام الهامش على أساس مضاعفة المبلغ الذي يقوم المتاجر بالدخول به في صفقات شراء وبيع العملة الأجنبية، وهذه المضاعفة قد تصل إلى 1: 400 ضعف المبلغ الذي قام باستخدامه من حسابه الموجود لدى الشركة، إلا أنه تم تقييد الرافعة المالية لدى شركات الوساطة الأمريكية منذ عام 2004 بـ 1: 100 وذلك بناءً على الأنظمة الجديدة للجمعية الوطنية للمستقبليات NFA التابعة للحكومة الأمريكية (من دراسة الحكم الشرعي لتجارة العملات بنظام الهامش للدكتور أحمد عبد الله عون).
وحسب المعلومات المتاحة النوع المشاع في الصومال والذي أدى إلى احتيال أموال طائلة من جيوب الصوماليين يقع تحت دائرة الطرف الخامس وحدث أن يتعامل الناس وسطاء محليين يزعمون أن لديهم خبرة في هذه التعاملات بالتعاون مع مع الشركات الرئيسية المضاربة في الفوركس ، وأنهم يقومون على المضاربة بالعملات ما يجلب لأي مستثمر بوعد فوائد خيالية حيث يدفع العميل للوسيط ما بين 500 دولار و 1000 دولار مقابل عائد شهري حوالي 40 ٪.. هذا الوعد بالفوائد الخيالية أدت إلى تهافت المستثثمرين ولا سيما الصغار على تعاملات الفوركس وقد حقق البعض بعض الأرباح في البداية ولكن كما حدث لم تعد هذا إلا فخا أقامه المضاربون الوهميون لاحتيال أموال المستثمرين وخلق بيئة خصبة لتجميع الملايين من الصوماليين .
وإذا تدبرنا في ما يشاع عن خسارة رؤوس الأموال التي تكبدها المستثمرون الصوماليون في هذه التعاملات يظهر أنه لا يقتصر على تقلبات الأسعار كما زعم بعض الوسطاء بل قد نحم عن عمليات نصب واحتيال من خلال استدراج العملاء الصوماليين بوعد أرباح خيالية . هذا الاستدراج تم بطريقة أشبه باحتيال لأن المستثمر الصومالي لم يحط به علما أولا أن استثماره يقع في دائرة المضاربة ذات المخاطرة الشديدة حسب المعروف في هذه المعاملة ، بل قدم الوسطاء معلومات مغلوطة للمستثمرين توهم أنه المضاربة مريحة ولا تنطوي على أي مخاطرة بينما التعاملات الفوركس أصلا تنطوي على مخاطرة كبيرة إذ إنه -وفقا لما ينقله الدكتور أحمد عبد الله عون عن الخبراء في هذا المجال- فإن ما يقارب الـ95% من المتاجرين يخسرون أموالهم. يقول الدكتور العصيمي: “ودلت التجارب على أن صغار المتاجرين في العملات هم أكثر الناس عرضة للخسارة، وعليه، فمن كان مستعدا للخسارة الكبيرة، وهم غالبا كبار المتعاملين، مثل الصناديق الاستثمارية الكبيرة جدا وغيرهم، فهذا يدخل السوق ويتحمل الخسارة إلى أمد معين، ثم يربح في النهاية. أما الصغار فهم حطب نار الخسائر التي تمر على العملات”
وحسب بنك سویسكوت المحدودة Ltd Bank Swiss فإن لتعاملات فروكس شروط وأحكام من ضمنها أن يقر العميل ويدرك أن تداول أدوات الفوركس ينطوي على قدر كبير من المضاربة، وينطوي على درجة بالغة من المخاطرة، وأنه لا ينساب إلا الأشخاص بشكل عام الذين يمكنهم تكبد وتحمل مخاطر خسارة تتجاوز هامش الفوركس الخاص بهم.
وما يحتاج منا البحث ما إذا كان المستثمر الصومالي يعرف المخاطر المحدقة بدخوله في عالم المضاربة بالفوركس ؟ وهذا يمكن معرفته عن طريقة معاينة العقود التي أبرمها الوسطاء مع المستثمرين
المعالجة القانونية لتدولات الفوركس الوهمية
الواضح أن ظاهرة تداولات الفوركس التي أدت إلى احتيال أموال الصوماليين أشبه ببوادر مماثلة لعمليات النصب العقاري الذي عصف بعض الدول الخليج حيث التهمت شركات وهمية تعمل ضمن مافيا دولية منظمة ملايين من الدولارات من مواطنين خليجيين عبر النصب العقاري .
و على الجهات الرقابية الحكومية ولا سيما البنك المركزي القيام بصلاحياته وتشديد الرقابة على جميع تداولات الفوركس وغيره الذي قد يكون مظنة للاحتيال والنصب من خلال نقض تراخيص أي شركة وهمية تضطلع في معاملات مشبوهة ، ومن حسن الحظ أن هناك قانون مكافحة غسيل الأموال على مستوى الدولة الفدرالية الذي تم المصادقة عليه عام 2016 الذي يجرم كل أشكال غسيل الأموال بما فيها جرائم الاحتيال والنصب عبر أي تداول مشبوه ما يعني أن جريمة النصب والاحتيال عبر الفوركس متكاملة الأركان، وتندرج تحت غسل الأموال، لكونها تستخدم أساليب تحقيق مكاسب ضخمة، وعمليات نقل وتحويل أموال دولية تؤكد شبهة الاحتيال المنظم، والذي يفوق حجم رأس المال بمئات الأضعاف، وتلك هي دعائم وأسس جرائم غسل الأموال. (مادة 2 من القانون تجرم كل أشكال غسيل الأموال ).
كتبه/ الأستاذ سالم سعيد