سلسلة المصطلحات المقاصدية (1)

سلسلة المصطلحات المقاصدية

1: الاتجاه المقاصدي

من المصطلحات التي يجري تداولها في الخطاب المقاصدي المعاصر مصطلح “الاتجاه المقاصدي”، ولعل أول من أطلقه وعرّفه هو الاستاذ أحمد الريسوني، ويظهر من دلالة هذا المركب أن هناك اتجاهات متعددة في التفسير والفقه والفكر.

 الاتجاه في اللغة

الاتجاه لغة من اتجه يتجه، وتجاهك: أي حذاءك، ومن تلقاء وجهك، وفي الصحاح: أي قبالتك، وقولهم: “تجاهك” بني على قولهم اتجه لهم رأي، وتّجهت إليك أتجه أي توجهت، لأن أصل التاء فيهما واو، والوِجهة والوُجهة: القبلة وشبهها في كل وُجهة، أي في كل وجه استقبلته وأخذت فيه. وتوجه إليه: ذهب، واتجه له رأي أي سنح وهو افتعل، صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وابدلت منها التاء وادغمت ثم بني عليه قولك قعدت تُجاهك وتِجاهك: أي تِلقاءك. ووجه إليه كذا: أرسله، ووجهته في حاجة ووجهت وجهي لله وتوجهت نحوك وإليك، ووجهت الشيء: أرسلته في وجهة واحدة فتوجّه، فالاتجاه يعني تحديد وجهة معينة.

الاتجاه في القرآن والسنة

لم يرد لفظ “اتجاه” في القرآن وإنما توجد بعض مشتقات مادته، نحو قوله عز وجل ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى أن يهديني سواء السبيل) .. سورة القصص: 22. وقوله تعالى: ( إنّي وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).. سورة الانعام: 79، وقوله سبحانه وتعالى: (وضرب الله مثلا رّجلين أحدهما أبكم لايقدر على شيء وهو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لايأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).. سورة النحل: 76.

وجاء في الحديث أيضا؛ “فبينا نحن كذلك إذ اتجه إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقلنا يا رسول الله أنت بأرض حرب؛ ولا نأمن عليك فلولا إذبدت لك الحاجة قلت لبعض أصحابك فقام معك”. أي توجّه إلينا.

وعن عامر بن ربيعة أخبره، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبح، يومئ برأسه قِبَل أيّ وجهٍ توجَّه ولم يكن رسول الله يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة”

وعن عباد بن تميم، أن عمه – وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – أخبره “أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج بالناس يستسقي لهم فقام فدعا الله قائما، ثم توجّه قِبَل القبلة وحوَّل رداءه فأُسقوا”.

فنلحظ أن معنى اتجه هو نفسه معنى توجّه، أي حدد الوجهة ومشى صوبها.

الاتجاه المقاصدي في الاصطلاح المقاصدي

الاتجاه المقاصدي من المصطلحات المستعملة عند المعاصرين، لكن لم أظفر بمن خصّها بالبيان إلا د. أحمد الريسوني الذي قسّم اتجاهات العلماء في تفسير النصوص الشرعية إلى ثلاثة اتجاهات، وهي الاتجاه المقاصدي، والاتجاه اللفظي والاتجاه التقويلي. ويقصد بالاتجاه اللفظي ” الذي يتعامل مع ألفاظ النص ومع مبانيه اللغوية على ما هي عليه في وضعها اللغوي، دون تطلّع أو التفات لشيء اسمه مقاصد المتكلم ومراميه، وما إن كان المستفاد من ظاهر الالفاظ والمباني هو بالذات ما قصده ورام التعبير عنه المتكلم”.

ويعني بالاتجاه التقويلي، ويسميه أيضا بـ”الاتجاه التأويلي” بأنه ” اتجاه الذين يسرفون في تأويل النصوص، ويؤولونها بدليل وبغير دليل، ويحكمون في ذلك مذاهبهم وآراءهم وأمانيهم. والنتيجة أنهم يتجاوزون التأويل إلى التقويل، فيقوِّلون صاحب النص من المعاني والمقاصد ما لا دليل عليه ولا أساس له من النص، ولا غيره من قواعد العلم وقواعد الاستنباط”.

وبين مراده بالاتجاه المقاصدي بقوله: “وأعني بالاتجاه المقاصدي، الاتجاه الذي ينطلق – دائما – من كون صاحب النص له مقاصد معينة ومعان محددة عنده، هي التي أراد تبليغها للمخاطب وأراد من المخاطب فهمها واستيعابها وأخذها بعين الاعتبار، وأن اللازم هو تحرّي مقاصد الخطاب كما يريدها صاحبه والوقوف عندها، بلا نقصان ولا قصور، وأيضا بلا زيادة ولا تجاوز”.

وميزة الاتجاه المقاصدي وسطيته؛ إذ “يقف وسطا بين التفريط والإفراط، بين اللفظيين والتقويليين؛ يتجاوز ظاهر اللفظيين، لكنه لايتجاوز مقاصد الخطاب التي قامت على الدليل وقام عليها الدليل. فهو يتأسس على أن الالفاظ ومبانيها وما نطقت به ليست هي المنتهى في فهم كلام المتكلم وفي إدراك مقاصده، نعم لابد من اعتبار الألفاظ والمباني، لكن على أساس أنها وسائل ووسائط لأداء مقصود المتكلم، لا على أساس أن تصبح حاجزا وعائقا يحجب مقاصد المتكلم ويشغلنا عنها بما دونها من الألفاظ وأساليب التغيير”.

ومن ثم يتضح لنا أن الاتجاه المقاصدي يرتكز على النصوص ويستند إلى ظواهر الالفاظ لكن لا يقف عندها، فهو ليس مقابلا للاتجاه النصوصي، كما ذكر الريسوني في “مقاصد المقاصد” حيث قال: ” والحقيقة أن التوجه المقاصدي الحق لابد من أيكون “نصوصيا” أكثر من أي توجه أخر؛ لأنه التوجه الذي يدرس النصوص دراسة تامة مجتمعة؛ دراسة ظاهرية وباطنية معا دراسة لفظية وقصدية معا دراسة جزئية وكلية معا”.

فالمقصود بالاتجاه المقاصدي: المنحى التفسيري، والتوجه البياني الذي لايقف عند الظواهر والمباني وإنما ينظر في المقاصد والمعاني الموافقة لمقاصد الشرع، والخادمة لمصالح الخلق.

من كتاب: معجم المصطلحات المقاصدية ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn