سلسلة المصطلحات المقاصدية (10)

#سلسلة_المصطلحات_المقاصدية (10)

#الأخلاق

الأسباب / السبب

(الأسباب / السبب) من أهم المصطلحات الاصولية وأكثر ما يرد هناك بصيغة المفرد. ويستعمل في المقاصد بصيغة الجمع، بمعنى أخص من معناه الأصولي، إذ اعتبر طريقا من طرق معرفة المقاصد. كما له علاقة وثيقة بمقاصد المكلفين.

#الأسباب_في_اللغة

الأسباب جمع سبب، وهو كل شيء يتوصل به إليه غيره، وكل سيء يتوصل به إلى الشيء فهو سبب، وجعلتُ فلانا لي سببا إلى فلان في حاجتي، أي وصلة وذريعة.

#الأسباب_في_القرآن_والسنة

ورد استعمال السبب في القران الكريم بمعناه اللغوي . ومنه قوله تعالى: ( وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سبباً) الكهف: 84-85)، فالسبب هو الذريعة والطريق كما جاء في قوله عزوجل: (قال فرعون ياهامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطّلع إلى إله موسى) غافر:36-37).

وجاء في الحديث: ((  كل سبب ونسب ينقطع إلاسببي ونسبي)).

#الأسباب_في_الاصطلاح_المقاصدي

عرف الغزالي السبب وبين معانيه بقوله ((ما يحصل الشيء عنده لا به، فإن الوصل بالسيرلا بطريق، ولكن لا بد من الطريق، ونزحُ الماء بالاستقاء لا بالحبل، ولكن لابد من الحبل، فاستعار الفقهاء لفظ السبب من هذا الموضع وأطلقوه على أربعة أوجه:

الوجه الأول: وهو أقربها إلى المستعار منه: ما يطلق في مقابلة المباشرة، إذ يقال: إن حافر البئر مع المردي فيه صاحب سبب، والمردي صاحب علة، فإن الهلاك بالتردية لكن عند وجود البئر فما يحصل الهلاك عنده لابه يسمى سببا.

والثاني: تسميتهم الرمي سببا للقتل من حيث إنه سبب للعلة، وهو على التحقيق علة العله، لكن لما حصل الموت لا بالرمي بل بالواسطة أشبه مالا يحصل الحكم إلابه.

الثالث: تسميتهم ذات العلة مع التخلف وصفها سببا، كقولهم: الكفارة تجب باليمين دون الحنث، فاليمين هو السبب وملك النصاب هو سبب الزكات دون الحول، مع انه لا بد منها في الجوب. ويريدون بهذا السبب ما تحسن إضافة الحكم إليه،  ويقابلون هذا بالمحل والشرط فيقولون ملك النصاب سبب والحول شرط.

الرابع: تسميتهم الموجب سببا فيكون السبب بمعنى العلة، وهذا أبعد الوجوه عن وضع اللسان، فإن السبب في الوضع عبارة عما يحصل الحكم عنده لابه؛ ولكن هذا يحسن في العلل الشرعية؛ لأنها لا توجب الحكم لذاتها بل بإيجاب الله – تعالى -، ولنصبه هذه الأسباب علامات لإظهار الحكم، فالعلل الشرعية في معنى العلامات المظهرة فشابهت ما يحصل الحكم عنده)

وهذه الدلالات التي ذكرها الإمام الغزالي هي المعاني الأصولية للمصطلح، ومن خلال هذه الاوجه الاربعة يظهر لنا أن التعريفات الأصولية للسبب على أقسام، ويتداخل بعضها مع تعريف العلة؛ لذلك نجد فريقا من الاصوليين ذهب إلى أن السبب شامل للعلة، فاعتبر كل علة سببا وليس العكس، لذلك نجد بعض تعاريفهم تقارب تعريف العلة، نحو تعريف  الآمدى: كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي)).

وقال ابن عاشور: (غلب في عبارات الفقهاء وأهل الأصول إطلاق اسم السبب على الوقت لأنهم يريدون بالسبب المعرف بالحكم ولا يريدون به نفس الحكمة)، ومثال ذلك أوقات العبادات، فإنها (( تعيين الإيقاع العبادة، فلاشك أن للوقت المعين لإيقاعها حكمة علمها الله تعالى)).

أما المعاني المقاصدية للمصطلح فنجد بعضها عند الإمام الشاطبي، في ربطه الأسباب بقصد الشارع وقصد المكلف، غير أن ارتباطها بمقاصد المكلف أكثر.

ويرى د. فريد شكري أن السبب (( هو الحكم الشرعي المفضي إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة بالمعنى التكليفي وليس بالمعنى الوضعي الاصطلاحي الأصولي))، ويعتبر (( هذه الدلالة التكليفية للسبب هي المعتمدة عند الإمام الشاطبي)).

وقد قسم الإمام الشاطبي الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها، أوتوضع فتقتضيها إلى قسمين:

أحدهما خارج عن مقدور المكلف، ومثله بكون الاضطرار سببا في إباحة الميتة (…)، والآخر ما يصح دخوله تحت مقدوره، نحو(( كون النكاح سببا في حصول التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة وحلية الاستمتاع، والذكاة سببا لحلية الانتفاع بالاكل، والسفر سببا في إباحة القصر والفطر)).

وبناء على كلام الشاطبي في ربط الأسباب الشرعية بمسبباتها، ودلالة ذلك على قصد الشارع إلي تحصيل المسبباب، بَنَت (( مَعلَمة زايد للقواعد الفقهية والاصولية)) القاعدة المقاصدية: (( واضع الأسباب قاصد لوقوع المسببات )) وقد جاء فيها : فإذا انظرنا في كون الشرع – مثلا – يحث على تطهير الابدان وما يتصل بها، وجوبا وندبا، ووجدنا أن التطهير والتنظيف، بمختلف صوره واشكاله ومحاله، وهو سبب محقق لحفظ الصحة البدنية، وسبب لجلب الراحة النفسية، فضلا عن كونه وهو اللائق بمقام العبادة، فإننا نستطيع أن نقول: إن كل هذه المسببات مقصودة للشارع، مادام قد شرع أسبابها، بل أمر بها.

وإذا كانت القاعدة تنصرف أساسا وغالبا إلى الأسباب المطلوبة والمباحة في الشرع، فتكون مسبباتها على وفقها في القصد والطلب، فإن العكس بالعكس، أي أن القاعدة تنطبق عكسا علي الأسباب المحظورة في الشرع، ذلك أن خطر الاسباب يدل على قصد اجتناب مسبباتها وآثارها المعتادة)).

فألاسباب هي ما جعله الشرع مؤديا إلى المسببات والآثار المترتبة على الأحكام الشرعية.

من كتاب: معجم المصطلحات المقاصدية ص (63-66).

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn