سلسلة مقاصد الأسرة وأثرها في رعاية حقوق الإنسان (5)

مقصد السكن النفسي ووسائل تحقيقه

من كتاب: (مقاصد الشر يعة الإسلامية وأثرها في رعاية حقوق الإنسان : دراسة تأصلية مقارنة)

د. محمد شيخ أحمد محمد “محمد حاج”

أولاً: مفهوم مقصد السكن النفسي:

إذا كان “الإحصان” يحقق السكن الجنسي، فإن ما ينشأ عن هذا الإحصان ويصاحبه في العلاقات الأسرية من راحة نفسية بالمودّة والألفة والاطمئنان والأمن، هو المقصود بالسكن النفسي؛ وذلك لأن العلاقة بين الزوجين أبعد مدى من الجانب الجسدي الجنسي، وتمتد إلى الجوانب النفسية والعاطفية بالسكن النفسي الذي يسع ليشمل جميع أفراد الأسرة بالعطف والحنان؛ وبذلك تُؤَمِّن الشريعة لكل أفراد الأسرة حياةً اجتماعيةً هانئةً وسعيدة قوامها المودّة والحب والتراحم والتعاون في السراء والضراء وتُحَقِّق الاستقرار والسكن النفسي والثقة المتبادلة.

وقد أفادت آيات وأحاديث كثيرة أنّ ذلك هو أحد المقاصد الأساسية للشريعة في شأن الأسرة، ومن ذلك قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )، وقوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) وقوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (حُبّب إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة) ، والمقصود بحبّ النساء في الحديث ما يوجد في الزوجة من ألفة وسعادة وهناء، وكلّ ذلك مندرج ضمن هذا المقصد.

ثانياً: وسائل تحقيق مقصد السكن النفسي:

وقد جاءت أحكام الشريعة وتوجيهاتها تهدف فيما تهدف إلى تحقيق هذا المقصد، فمنها:

[1] أن الله اعتبر الارتباط الأسري ابتداء ميثاقا غليظاً، وهو تعبير يوحي بما ينشأ عن العشرة الزوجية من التقارب والتمازج بين الزوجين ممّا يجعل الصلة بينهما تبلغ من القوّة والمتانة تقارباً وتآنسا وتحابباً بحيث يصبح ما ينشأ بينهما من ذلك كالميثاق الغليظ الذي يتعاهدان عليه، وهو ما عبر عنه الإمام الرازي في قوله شارحا هذه الآية: ” قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتّحاد والامتزاج” .

[2] ما شَرَعَه الله سبحانه وتعالى من أحكام وآداب المعاشرة بالمعروف بين الزوجين وغير ذلك من الأحكام التي تُوَفِّر الجوَّ العائليّ المملوء دفئًا وحنانًا، ومشاعر راقية ، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراَ) .

[3] بناء أحكام الأسرة على كلّ ما من شأنه غرس أسباب الوئام والمحبة، ونزع أسباب الفرقة والشقاق، بين أطرافها وأعضائها، مثل: الأحكام المبيّنة لحقوق وواجبات كلّ عضو من أعضاء الأسرة، وتحديد المواريث بصفة دقيقة، بالإضافة إلى التوجيهات الأخلاقية المتعلّقة بكلّ فرد من أفراد الأسرة تجاه أفرادها الآخرين، فقد تواردت الأحكام الشرعية، والتوجيهات الأخلاقية، والإرشادات التربوية على ذات المعنى.

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn