(٢): للمقصود صِفَاتٌ وصِبْغَاتٌ:
بعد الخطوات الثلاثة التي خطاها الدكتور طه في تناوله لكلمة “قصد” أي تعريف مفرداتها بأضدادها ثلاث تعريفات، وذِكْر المقصد المضموني لكل معنىً من هذه المعاني الثلاثة، ولّد من هذه المضامين الثلاثة، ثلاث نظريات أخرى.
١- نظرية “المقصودات” الباحثة في المضامين الدلالية للخطاب الشرعي.
٢- نظرية “القصود” الباحثة في المضامين الشعورية أو الإرادية.
٣- نظرية “المقاصد” الباحثة في المضامين القيمية للخطاب الشرعي.
وبعد أن قرر هذه الخطوات الثلاثة، يقول الدكتور طه، إن الحاجة قد ظهرت إلى معرفة السبب الذي جعل “هذه المباحث الثلاثة (النظريات الثلاثة) تجتمع في صلب أصول الفقه”، ويرى أن السبب في ذلك “أن هناك أصلاً جامعا بينها” لأن لكل من “المقصود والقصد والمقصد أوصافا أخلاقية: ظاهرة وخفية”. وهذه الأوصاف الأخلاقية هي الرابط الجامع بينها، وأن لكل واحد من المقصود والقصد والمقصد أوصافا أخلاقية.
١- المقصودات الشرعية: للمقصودات الشرعية وصفان أخلاقيان أساسيان: “الصبغة المعنوية” و “الصبغة الفطرية”
أ- الصبغة المعنوية للمقصود الشرعي:
“ليس المقصود الشرعي من النص صيغة أو أسلوباً”، وإنما هي ما تستبطنه هذه الصيغة و هذا الأسلوب من النص. وقد يكون هذا الإستبطان أي المضمون قريبا أي يفهم من اللفظ بصورة مباشرة، أو بعيدا أي يحتاج إلى تخطِّي الدلالة المباشرة للنص والغوص في باطنه، و يتفاوت الغوص عمقا وسعة وذلك باستخدام الأدلة “الزائدة على اللفظ”:
“وهي صنفان: أحدهما: أدلة مقالية مكونة من سياقات الكلام أو من نصوص أخرى؛ والآخر: أدلة مقامية مشتملة على أسباب النزول وملابسات السنة وظروف الممارسة وعلى ما تواتر من القوانين المشرِّعة إلى وقت ورود النص”.
ويؤخذ المقصود الشرعي من ملفوظ النص، كما يؤخذ من مفهومه؛ ولذلك ليس المقصود الشرعي قاصرا على ظاهر النص، كما أنه “ليس تصورا مجردا، بل مدرك متصل .. بالقيمة العملية؛ ومقتضى القيمة العملية أن الخطاب المُبَلَّغ يُنْهِض إلى العمل ويحرك دواعي الممارسة في ظروف سلوكية مخصوصة”. وأي توجيه عملي -حسب رأي د. طه- له تعلق أخلاقي، “فالمقصود الشرعي هو إذن مقصود أخلاقي”.
“والشاهد على ذلك، (هي) القاعدة الأصولية التي تقضي (بأن العبرة في التصرفات بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني) فلا يجوز ، بمقتضى هذه القاعدة، الجمود على ظاهر الصغية اللفظية متى ثبت بالقرائن الكافية أن المقصود منها على خلافه، لأن الأحكام الشرعية نيطت بالمدلولات المقصودة لا بالصور المنطوقة”.
ب- الصبغة الفطرية للمقصود الشرعي:
وإذا كان المقصود الشرعي قاعدة للسلوك البشري، فلا بد “أن يأتي على وفق مقتضيات الفطرة، ..والفطرة عبارة عن الهيئة الخلقية والروحية التي انطوت عليها نفس الإنسان والتي تُوَصِّله إلى عبوديته للخالق”.
ولما كان المقصود الشرعي متساوقا ومتناسقا مع القيمة الداخلية الأصلية للإنسان أي الفطرة، “فإنه (المقصود الشرعي) يقوم باستثمارها لإخراج الإنسان من التعرُّف الداخلي على تبعيته للخالق إلى التحلّي السلوكي بأدابها، فيكون محفوظا من الآفات التي تتطرّق إلى القواعد السلوكية التي لا تستند إلى هذا الأصل”.
” ولا أدل على ذلك من الحقيقتين التاليتين: إحداهما، كون الشارع وضع هذه المقصودات من أجل تحقيق الأخلاق كما يشهد بذلك الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تأتي في سياقات تُبرِز الغايات الأخلاقية لتشريع الأحكام؛ والثانية، كون مقصودات التشريع المدني الخاصة بالأحكام تنزلت على المعاني الأخلاقية للممارسات المكية، علما بأن هذه الممارسة اختصت ببناء الصورة الأخلاقية للإسلام”.
تقديم وتلخيص من:
عمر إدريس
27/4/2020