(١): مقدمة:
المفكر الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبدالرحمن إسلامي أصيل ذو إتجاه تزكوي (تصوفي) قِيَمِي، ينظر نظرة أخلاقية إلى الإسلام، إنطلاقا من الحديث الشريف “إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. لذلك يرى أن الأخلاق هي المقصد الأسمى، أو المقصد الأكبر، وإن شئت قل أنها (أي الأخلاق) مقصد المقاصد الأغطم للإسلام.
وكدأبه دائما، لا يستخدم الدكتور طه الكلمات أوالمصطلحات ويتعداها بدون تشريح وتفكيك ثم تركيبها من جديد، توضيحا لمعانيها، وتوليدا منها معاني ومصطلحات جديدة لا تخرج عن سياقها اللغوي الأصيل، ولا عن سياقها الشرعي الصحيح.
ولذلك، وعندما يتناول مقاصد الشريعة، وكأن د. طه يضع كتاب الموافقات للشاطبي أمامه، ويحضر معه كل أدوات الجراحة، ويُبْرز مقاصد الشاطبي من كلماته قبل مقاصد الشريعة من معانيها، بحيث يُخَيَّلُ إليك في بعض الأحيان لو أن الشاطبي قرأ تشريحات وتحليلات طه عبدالرحمن لكلماته وكلامه، لقام الشاطبي إليه أي إلى د. طه وقبّل على رأسه.
ويبدأ الدكتور طه التفكيك أو التشريح من فعل “قصد” ويُكَوِّن منه معاني ثلاثة قياسا على أضداده (أي قصد) في اللغة العربية، ثم يُوَلِّد منها ثلاثة مفاهيم مركبة ينطلق منها في قادم تشريحاته وتحليلاته، ويبني على ذلك إعادة ترتيب وتسميات مقاصد الشريعة الخمسة المعروفة بعد حِجَاج قوي ونقاش طويل حتى ينتهي إلى قمة هرم مقاصد الشريعة أي الإسلام، وهي الأخلاق، التى كانت المقصد الأول وربما الأوحد لإبتعاث الرسول صلى الله عليه وسلم “(إنما) بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
يقول الدكتور طه مفككا لكلمة قصد:
“أ- يُستعمل الفعل: (قصد) بمعنىً هو ضد العفل: (لغا) (يلغو). لما كان اللغو هو الخلو من الفائدة ..، فإن المقصد يكون، على العكس من ذلك، هو حصول الفائدة..، واختص المقصد بهذا المعنى باسم (المقصود)، فيقال: (المقصود من الكلام)، ويُراد به مدلول الكلام، وقد يُجمع على (مقصودات) وسنستعمل هذا الجمع حرصا على التمييز، أو قل..، إن المقصد بمعنى المقصود هو المضمون الدلالي. وقد تناول الشاطبي موضوع المقصودات في النوع الثاني من القسم الأول من كتاب المقاصد … تحت عنوان: (مقاصد وَضْعِ الشريعة للأفهام)”
“ب – يُستعمل الفعل: (قصد) أيضا بمعنىً هو ضد العفل: (سها) (يسهو). لما كان السهو هو فقد التوجه أو الوقوع في النسيان، واختص المقصد بهذا المعني باسم (القصد)، وقد يجمع على (قصود)، أو قل ..، إن المقصد بمعنى القصد هو المضمون الشعوري أو الإرادي. وقد عالج الشاطبي مبحث القصود في مواضيع عدة من كتاب المقاصد، وهي: النوع الثالث من القسم الأول .. (مقاصد وَضْعِ الشريعة للتكليف)، والنوع الرابع من القسم الأول ..(مقاصد وَضْعِ الشريعة للامتثال)، وأخيرا القسم الثاني بعنوان (مقاصد المكلف)”
“ج – يُستعمل الفعل: (قصد) كذلك بمعنىً هو ضد العفل: (لها) (يلهو). لما كان اللهو هو الخلو عن الغرض الصحيح وفقد الباعث المشروع، فإن المقصد يكون، على العكس من ذلك، هو حصول الغرض الصحيح وقيام الباعث المشروع، واختص المقصد بهذا المعنى باسم (الحكمة)، ونحتفظ بلفظ (مقاصد) بصيغة الجمع لإفادة هذا المدلول الثالث، أو قل، ..، إن المقصد بهذا المعنى هو المضمون القيمي. وبحث الشاطبي هذا الصنف الثالث؛ من المقاصد في النوع الأول من القسم الأول من كتاب المقاصد تحت عنوان (مقاصد وَضْعِ الشريعة إبتداء)”.
وبعد هذا التشريح المفصل القيِّم لكلمة “قصد” يجمل الدكتور طه عبدالرحمن هذا المدخل قائلا “وعلى الجملة، فإن الفعل: (قصد)، قد يكون بمعنى “حصّل فائدة” أو بمعنى “حصل نية” أو بمعنى “حصل غرضاً”، فيشتمل “علم المقاصد” إذ ذاك على ثلاث نظريات أصولية متمايزة فيما بينها: أولاها، “نظرية المقصودات”، وهي تبحث في المضامين الدلالية للخطاب الشرعي؛ والثانية، “نطرية القصود”، وهي تبحث في المضامين الشعورية أو الإرادية؛ والثالثة، “نظرية المقاصد” وهي تبحث في المضامين القيمية للخطاب الشرعي”.
تقديم وتلخيص من:
عمر إدريس
22/4/2020