(٣) للقصود كذلك صِفَاتٌ وصِبْغَاتٌ:
في الحلقتين ١-٢ السابقتي تناولنا في تحت العنوان أعلاه تلخيصا لبعض أفكار الدكتور طه عبد الرحمن حول مقاصد الشريعة، في الأولى عن تعاريف كلمة قصد الثلاثة، ومضامينها الثلاثة، والنظريات الثلاثة التي ترتبت منها.
وفي الحلقة الثانية لخصنا أولى المعاني الثلاثة لكلمة قصد وهو “مقصود” وأصافها الأخلاقية، وصبغتها المعنوية.
وفي هذه الحلقة الثالثة سنتطرق إلى المفهوم الثاني بكلمة قصد وهو “قصود”، محاولين عرض الأفكار الرئيسية للمؤلف، متّبعين خطواتنا في “مقصود” وهي خطوات المؤلف في “الأوصاف الأخلاقية للمقصودات الشرعية” و ” الصبغة المعنوية للمقصود الشرعي”.
١- “الأوصاف الأخلاقية للقصود الشرعية:
من الأوصاف الأخلاقية التي تّميز العنصر المقصدي الثاني، وهو القصد الشرعي، نخص بالذكر وصفين اثنين: أحدها، “الصبغة الإرادية” والثاني، “الصبغة التَجَرُّدية”.
أ- “الصبغة الإرادية للقصد الشرعي: إن كل فعل قصدي يطلب إيقاع أمرٍ أو عدم إيقاعه من غير أن يَلزَم وقوع هذا المطلوب، وهو ما يُعرَف ب”الإرادة”. وليس يحفى أن الإرادة معنى أخلاقي؛ والإرادة على صربين: إرادة الشارع وإرادة المكلّف؛ والأولى منهما إرادة أمرية تقتضي إيقاع المأمور به، وعدم إيقاع المنهي عنه، ولا تنحصر في قصد ما تأمر به المُكلَّفَ أو تنهاه عنه، بل تقصد أيضاً أن يكون قصد المُكلَّفِ موافقاً في العمل لقصدها فيما تأمر به أو تنها عنه. وأما الثانية، فهي إرادة إمتثالية تقضي بأن يقصد المكلَّف اتباع المطلوب (منه) على الوجه المطلوب، إن فعلا أو تركاً، ولا يقف المكلّف عند حد قصد الامتثال بإيقاع المأمور به أو عدم إيقاع المنهي عنه، بل يقصد أيضاً أن يوافق فيه قصد الشارع.
ب- ” الصبغة التجرُّدية للقصد الشرعي:
إن صاحب الفعل القصدي مُطالَب بتحصيل التجرُّد عن الأغراض التي قد تلابس هذا الفعل، بمعنى أنه مدعو إلى تحصيل النية الخالصة. ومعلوم أن النية الخالصة فعل وجداني ينزل منزلة الأصل الذي تتفرع عنه كل الأفعال، قلبية كانت أو حسية، أو قل، منزلة المعيار الذي يحدد القيمة الأخلاقية لهذه الأفعال، فيحكم عليها بالصلاح أو بالفساد، حيث إنه إن حسُنت النية، صح الفعل المتفرّع عليها أو عُذِر صاحبه؛ وإن ساءت، بطل الفعل ولو جاء على تمام ضوابعه الأخرى. ولا يحصل التجرد للنية إلا باستيفاء الشروط الآتية:
– دفع الإشتراك مع الحظ:
قد ينوي المكلَّف الدخول في طاعة معينة، فتصحب عمله توجهات وتعلقات مختلفة تُعرَف عند أخل الأخلاق باسم (الحظوظ)، فيلزمه الإعراض عنها حتى ولو كانت غير مخالفة لقصد التقرب.
– الإبتدار باستحضار النية:
ينبغي للمكلَّف أن لا يباشر العمل حتى يتم له تحصيل النية فيه ولو كان من الأعمال التي لا تفتقر في الظاهر إلى هذه النية.
– تكثير النيات:
ينبغي للمكلف ان لا يكتفي في الطاعة الواحدة بالنية الواحدة، بل ينبغي أن يعدد نياته في التقرب حتى تشمل خيرات كثيرة تعود بالتزكية على عمله”.
وبعد هذا الشرح الدقيق للمعنى الثاني لكلمة قصد وهو “قصود”، يختم الدكتور طه كلامه بقوله:
“وقد أولى الشاطبي المالكي عناية خاصة للقصود فاقت عنايته بالعنصرين المَقْصَدِيَيْنِ الآخرين: (المقصود والمقصد)، حتى إنه قرن بين التكليف والقصد؛ فلا تكليف إلا ما تعيّن قصده؛ وإلا كُلِّف بما لا يطاق، حيث يصير القصد نازلا منزلة (العقل) الذي هو بالذات مناط التكليف.
كما توسعت المالكية أكثر من غيرها في استعمال قواعد ومبادىء خاصة بالقصود، مثل: قاعدة (الأمور بمقاصدها) وقاعدة (المعاملة بنقيض القصد الفاسد) و مبدأ (سد الذرائع) الذي يقضي بمنع ما يجوز من الوسائل إذا كانت مفضية إلى ما لا يجوز، احتياطاً من أن يُقصَد بهذه الوسائل ما يترتب عليها من مفاسد راجحة”.
تلخيص من:
عمر إدريس
30/4/2020