#سلسلة_المصطلحات_المقاصدية(4)
الأحكام التحكمية
اشتهر عن الغزالي قوله: الأصل في العبادات الاحتكامات، كما عدّ الأصل في الأحكام العبادية التحكم، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المصطلح قليل الاستعمال والتداول، ويكثر استعماله خاصة في كتابات ابي حامد الغزالي.
الأحكام التحكمية في اللغة
الاحكام جمع حكم، ويرجع الأصل الدلالي لمادة (ح ك م) إلى المنع كما قال ابن فارس؛ فالحكم منع من الظلم. وسميت حَكمة الدابة لأنها تمنعها. يقال حكمتُ الدابة وأحكمتها. ويقال: حكمت السفيه وأحكمته، إذا أحذت على يديه. والحكمة هذا قياسها، لأنها تمنع من الجهل. وحكّم فلانا في كذا، إذا جعل أمره إليه)، وقال ابن منظور: والحكم: العلم والفقه؛ قال الله تعالى: (وآتيناه الحكم صبيّا). مريم:12، أي علما وفقها.
لكن يبقي المنع هو الأصل الدلالي المعجمي للفظة ( الحكم) ومنه تتفرع باقي المعاني؛ فالعلم والفقه يمنعان الجهل، والقضاء بالعدل يمنع الظلم.
أما التحكم لغه فمن تحكّم يتحكّم، وتشترك كلمة التحكم مع كلمة ( الحكم ) في الأصل الدلالي للكلمة الدال على المنع. قال الأزهري: وروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال: (( حكّم اليتيم كما تُحكّمُ ولدك )) أي: امنعه من الفساد وأصلحه كما تصلح ولدك، كما تمنعه من الفساد. قال: وكل من منعته من شي فقد حكمته.
الأحكام التحكمية في القرآن والسنة
تتعدد مشتقات (حكم) في القرآن؛ فتارة ينسب الحكم لله عز وجل: نحو قوله تعلى:(( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانو فيه يختلفون ) البقرة:113)؛ وتارة ينسب للإنسان سواء كان نبيا أو غير نبي؛ ( إنا انزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) النساء:105) والحكم بالشيء: أن يقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيره أو لم يلزمه)
كما وردت مشتقات اللفظ في السنة النبوية، منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لايحكم احد بين اثنين وهو غضبان).
ومنها ما جاء عن أبي سعيد: أن أهل قريظ نزلوا على حكم سعد، فأر سل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء، فقال: ( قوموا إلى سيدكم أو قال: خيركم ) فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( هؤلاء نزلو علي حكمك) قال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، فقال: (لقد حكمت بما حكم به الملك ) قال أبو عبد الله: أفهمني بعض أصحابي، عن أبي الوليد، من قول أبي سعيد: (( إلى حكمك)).
ويفهم من الحكم في هذه الأحاديث معنى القضاء، وهو راجع لمعنى المنع، إذ إن القضاء يمنع من الظلم.
الأحكام التحكمية في الإصطلاح المقاصدي
قرر الغزالي أن الأصل في العبادات الاحتكامات، والاحتكام، كما بيّنه الغزالي، هو ( ما خفي علينا وجه اللُطف فيه، لأنا نعتقد أن لتقدير الصبح بركعتين، والمغرب بثلاث، والعصر بأربع، سراً وفيه نوع لطف وصلاح للخلق، استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه، ولم نطلع عليه. فلم نستعمله، واتبعنا فيه الموارد). وقال أيضا: الاحكام الشرعية تنفسم الى تعبدات وتحكمات جامدة لاتعقل معانيها). فمعنى الحكم التحكمي وفق هذا السياق الحكم غير معقول المعنى، لذلك نجد الإمام الغزالي يطلق التعبد والتحكم على وجه ترادفي كما جاء في قوله: ( كيف يتصرف بالقياس فيشرع مبناه على التحكم، والتعبد؟).
ومن الأحكام التحكمية العبادات والمقدرات حيث لاتعقل جزئياتها ويمتنع فيها إجراء القياس؛ قال الإمام الغزالي في (( شفاء الغليل ) إن الأصل تعليل (( ما يتعلق بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملات والجنايات والضمانات، وماعدا العبادات فالتحكم فيها نادر، أما العبادات والمقدرات فالتحكم فيها غالب وإتباع المعني نادر)، (( إذ حمل تصرفات الشرع على التحكم، أو على المجهول الذي لايعرف – نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز. فأما مع ظهور المعني المناسب، فلايتحقق العجز؛ فيغلب على الظن أنه اتبع معنى الذي ظهر).
فالأحكام التحكمية أذن هي الأحكام غير المعللة لأنها غير معقولة المعني لدينا، ويجب الالتزام بها خضوعا لحكم الشرع وتقديرا لحكمته؛ وذلك نحو عدد ركعات الصلاة، وكيفية الصلاة وغيرها من الاحكام المرتبطة بتفاصيل العبادة حصوصا، فهي جاءت ممن (له الحكم) القصص: 88) ( ولامعقب لحكمه ) الرعد:41) فتؤخذ بالتسليم والامتثال.
من كتاب: معجم المصطلحات المقاصدية