#سلسلة_المصطلحات_المقاصدية(5)
الأحكام التعبدية
يقسم الفقهاءُ الأحكام إلى معللة وغير معللة. والقاعدة أن ((الأصل في العبادات التعبد))، ومنه جاء مصطلح ((الأحكام التعبدية))، ويكثر استعمال مصطلح التعبد في الدراسات الأصولية والمقاصدية.
وقد سبق بيان معنى الأحكام، وبقي النظر في مفهوم التعبد، لنخلص إلى بيان المعني التر كيبي للمصطلح.
التعبد في اللغة
التعبد لغة مصدر تعبد يتعبّد تعبّداً، المتفرد بالعبادة. واستعبدت فلاناً: اتخذته عبداً، ومنه العبادة تدل على ((الانقياد والخضوع)).
التعبد في القرآن والسنة
لم تذكر كلمة ((تعبد)) في القرآن الكريم، لكن وردت المادة مرات كثيرة في القرآن، منها قوله سبحانه: ( يا أيُها النّاس اعبدو ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون) البقرة:21)، وقوله تعالى: وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون) الذاريات:56).
وفي السنة ما ورد في الدعاء النبوي (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الارض).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ان أعرابيا أتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال تعبد الله ولاتشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)، قال والذي نفسي بيده لاأزيد على هذا).
والعبادة تشترك مع التعبد في اختصاص الله عز وجل ببيانها، وقلة الاجتهاد في تعليل تفاصيلها، والمقصود هنا المعنى للعبادة، وإلا فإن كل تشريعات الله عبادة يتعبد بها.
الأحكام التعبدية في الاصطلاح المقاصدي
من دلالات التعبد الانقياد والخضوع، ولا تنفصل الدلالات الاصطلاحية عن هذه المعاني كما سيظهر. ويطلق التعبُد بمعنيين يجمعهما قول الإمام الشافعي: إن احكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد. ثم في التعبد وجهان:
فمنه تعبُدُ لأمر أبان الله جل جلاله أورسوله سببه فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله، فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه.
ومنه ماهو التعبُد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا، مما أبان لنا في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه، ولم نعرف في شيء له معني فنقيس عليه، وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علّمنا الله جل ثناؤه).
كما يفهم من كلام الإمام الغزالي أن ((التعبد)) هو الذي لاعلة له كما جاء في قوله: ( إذ ليس يسلم الشافعي أن الحكم في الأصل معلل بكونه مسحا، بل لعلّه تعبد ولاعلة له)، لذلك قسّم أحكام الشرع ( إلى مواقع التعبدات والمتبع فيها النصوص وما في معناها وما لم ترشد النصوص إليه فلا تعبد به وإلى ما ليس من التعبدات).
وقال العز بن عبد السلام: المشروعات ضربان: أحدهما ماظهر لنا أنه جالب لمصلحة أودارئ لمفسدة…. ويعبر عنه بأنه معقول المعنى. الضرب الثاني: مالم يظهر لنا جلبه لمصلحة أو درؤه لمفسدة، ويعبر عنه بالتعبد)، فيفهم ان معنى الحكم التعبدي هو الحكم غير المعلل بالمصلحة والمفسدة.
والقول بالتعبد إنما هو في حقنا، وإلا فما من حكم إلا وله حكمة في حقيقتة. قال القرافي: ( التعبُّد معناه أنّا لا نطّلع على حكمتة وإن كنا نعتقد أن له حكمه، وليس معناه أنه لاحكمة له ). ولذلك فإن (( كل التعبّدي معناه انه في مصلحة لانعلمها )).
وقال ابن القيم:( ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من عقله ويخفى على من خفي عليه).
وفي معنى (( الحكم التعبدي))، يرى ابن عاشور (( أن الشريعة تعبدتنا بذلك الحكم ولم تشرح مرادها منه في نظر ذلك المجتهد )). ومعنى هذا أن الحكم قد يبدو تعبديا عند بعض العلماء، ويكون معللا في نظر غيره.
وقال أيضا: (( إذا جاز أن نثبت أحكاما تعبدية لاعلة لها ولا يُطلع على علتها، فإنما ذلك في غير أبواب المعاملات المالية والجنائية فأما هذان فلا أرى أن يكون الحكم فيها تعبديا، وعلى الفقيه استنباط العلل فيها)).
من كتاب: معجم المصطلحات المقاصدية