كتاب أوراق المؤتمر العلمي الأول: مقترح قانون الجرائم الجنسية الصومالي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله رب العالمين، القائل:  (وما أسلناك إلا رحمة للعالمين) ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، القائل: (أنا الرحمة المهداة)، وعلى آله وصحبه الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن من مقاصد الإسلام الرئيسة: خلافة الإنسان في الأرض وذلك بعمارتها بعبادة الله سبحانه وتعالى وتحقيق العدل بين المخلوقين. وخلاصتها نشر الرحمة بين العالمين، قال تعالى حاصراً لمقاصد البعثة النبوية بالرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذه الرحمة تشمل التدبير والتشريع، ولكن البشر قد يقصر فهمه عن إدراك معالم هذه الرحمة، فيتصورها غلظة وقسوة ، وقد يتكبر – تطاولاً على الله – عن التسليم والاعتراف بلسمات هذه الرحمة وهو يتنعم بها ويتقلب فيها ليل نهار.

وفكرة المقاصد ارتبطت بالشريعة منذ نزولها، وتطورت بمرور الزمن بتطور العلوم إلى علم مستقل من العلوم المعاصرة  “علم المقاصد”، يهدف من بين ما يهدف إلى القراءة الشاملة الجامعة بين كتاب الله المسطور (القرآن) وكتابه المفتوح (الكون)، وأي فصل بين قراءة الكتابين لن يحقق للإنسانية السعادة الحقيقة ، وإن حقق لها متعاً زائفة ، أو تديناً مهزوزاً.

كما تهدف المقاصد من بين ما تهدف إلى القراءة الوسطية للإسلام بين الإفراط والتفريط، وبين التشويه والافتئات عليه، في مختلف مجالات الحياة في التشريع كما في التربية، وفي السياسة كما في الاقتصاد، وفي الأخلاق كما في الفنون والجمال، قال تعالى عن هذه الأمة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، وكلا طرفي الأمور مذموم ويصب في النهاية في خانة واحدة، ويحقق هدفاً واحداً، وإن اختلفت الوسائل شكلياً. ولاشك أننا كمجتمع نعاني من هذه الثنائيات المتنافضة ، فيضطر شعبنا إلى خيارين أحلاهما مر: بين الغلو والتطرف في الدين والإلحاد والانحلال عن الدين، بين العلمنة والاغتراب والتكفير والتفجير في السياسة، وبين التحفظ عن التجديد في المناهج والتشريع، ووالتغرب والتقليد الأعمى للغرب في قضاياه ومشكلاته… وهكذا قل في مختلف المجالات…

فكرة المركز  وأهدافه:

فكرة التأسيس الأولي للمركز ترجع لعام 2012م، لكن حالت أسباب مختلفة دون تفعيله وتشغيله لعدة سنوات، وتم تفعيليه في عام 2019م لتحقيق أهدافه المسطورة المتتمثلة في: إعداد الدراسات والبحوث العلمية المحكمة ونشرها، وإعداد علماء مؤهلين قادرين على المواءمة بين علوم الشريعة والمعارف الإنسانية والواقع الاجتماعي، ورصد أهم القضايا العلمية والمجتمعية التي تتطلب البحث والنظر الشرعي ومدارستها بين العلماء والخبراء والباحثين المختصين، بالإضافة إلى الإسهام في ترسيخ معالم الفكر الإسلامي الوسطي، ونشر الثقافة المقاصدية وتقريب مفاهيمها لعامة المتعلمين والمثقفين وسائر شرائح المجتمع، وتقديم الاستشارات الشرعية والخدمات العلمية.

ويعتبر المركز أحد مراكز خمسة من نوعه في العالم تهتم بعلم المقاصد الشرعية وخدمته ولا تزال تخدمه، وإن كان دونها قامة ولكن حسبه أنه معدود في سلكها، وهي حسب أقدميتها ً: المعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية تأسس في 1401ه/1981م. ومركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية في بريطانيا التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ، تأسس عام 2005م. وبعده مركز المقاصد للدراسات  والبحوث في الرباط، المغرب، والمركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة في الرباط، المغرب.

المؤتمر العلمي الأول حول مشروع قانون الجرائم الجنسية : المعنى والمغزى :

انطلاقا من رؤية المركز في تحقيق الريادة في مجال البحث العلمي في العلوم الشرعية والإنسانية، واستنادا إلى رسالته في تهيئة المناخ للأعمال العلمية والحوارات الاجتماعية، وتحقيقا لأهدافه السامية في رصد أهم القضايا العلمية والمجتمعية المستجدة ومدارستها بين العلماء إبرازا لدور المراكز العلمية في صياغة رؤى الأفراد والمجتمعات وبلورتها، بما يخدم الشريعة الإسلامية ويحقق مقاصدها وغاياتها الكبرى، ينظم المركز هذا المؤتمر العلمي الأول الذي يكون فاتحة خير لما بعده من أعمال وأنشطة علمية يساهم بها المركز في توجيه قضايا الشأن المجتمعي وتسديده.

وموضوع المؤتمر دراسة مشروع قانون الجرائم الجنسية الصومالي، من منظور شرعي وقانوني واجتماعي، ومعالجة التداعيات والتجاذبات المجتمعية التي صاحبت طرح هذا المقترح على البرلمان من خلال الحوار العلمي الهادئ.

أسباب عقد المؤتمر حول هذا الموضوع:

أولا: إجازة مجلس الوزراء لمشروع  قانون جرائم الجنس الصومالي الذي قدمته وزارة شئون المرأة وحقوق الإنسان.

ثانيا: تقديم الحكومة لمشروع قانون جرائم الجنس إلى البرلمان لاعتماده، واعتراض برلمانيين وقانونيين وعلماء وشرائح من فئات المجتمع على مشروع القانون.

ثالثا: كون المشروع حديث الساعة الشاغل للرأي العام بين التأييد والمعارضة في ذلك الوقت ، ولم يتم حتى الآن

رابعا: اتصال مشروع القانون  بملف المرأة الذي يعتبر حساساً جداً خاصة في الأمور الاجتماعية والسياسية.

أهداف المؤتمر: هدف المؤتمر إجمالاً إلى فتح حوار علمي ونقاش جِدّيٍ بين فئات المجتمع من علماء شريعة وقانون ومفكرين ومرأة وكل مكونات المجتمع المدني، لبلورة الموضوع وصياغة رؤية شرعية وقانونية علمية حول مشروع القانون. في ما يلي أهم الأهداف تفصيلاً:

  1. بيان رأي الشريعة في مشروع قانون جرائم الجنس الصومالي، وإبراز دور العلماء في إيجاد حلول شرعية للحد من تلك الجرائم.
  2. إبجاد تحليل قانوني ينقد الجانب الفني والفلسفي لنص مشروع قانون جرائم الجنس وروحه، لصياغة رؤية نابعة من ذوي المعرفة والاختصاص.
  3. جعل الحوارات والنقاشات حول هذا المشروع مفيدة تقرب بين شرائح المجتمع الصومالي بمختلف توجهاته، على صيانة القواسم المشتركة والأهداف المنشودة..

وقد شمل المؤتمر في فعالياته بالإضافة إلى الجلستين الافتتاحية والختتامية: ثلاث ندوات تناولت محاور المووضوع الثلاثة بالدراسة والتحليل والنقاش: تشحيص المشكلة، وعرض الرؤية القانونية، والرؤيى الشرعية المقاصدية، بالإضافة إلى معرض للكتاب المقاصدي.

مخرجات المؤتمر: وكان من المؤمل أن يحقق المؤتمر النتائج الثلاثة التالية، وقد حققها بالفعل، وهي:

  • تفاعل الأفكار وتلاقح الرؤى بين المشاركين وتحقيق الحوار المثمر في جو من التفاهم والانسجام بين شرائح المجتمع المختلفة.
  • الخروج بتوصيات توافقية ونافعة للمجتمع حول المشروع يتم تقديمها للجهات المعنية للاهتداء بها في مراجعة أو سن القوانين ذات الصلة بالموضوع.
  • إنجازات دراسات علمية حول الموضوع في شكل كتاب تستفيد منه المؤسسات العلمية المختصة ، والجهات المسئولة المختصة ، وتستفيد منها الأجيال اللاحقة.

وهذا الكتاب الذي نقدم له الآن هو ثمرة هذا المؤتمر ونتائجه ، ويتضمن الأوراق التي نوقشت فيه، وهي عبارة أربعة أرواق علمية، اثنتان منها بللغة العربية، والباقيتان باللغة الصومالية، فالكتاب خليط بين اللغتين العربية والصومالية. ونظراً لأنه كان أول مؤتمر نظمه المركز، ولم يكن الوقت كافياً للإعددا المناسب؛ لأن القضية موضوع المؤتمر كانت قد أثيرت بشكل مفاجئ وأحدثت زوبعة كبيرة في الأوساط الرسمية والرأي العام الشعبي، وخلقت تجاذبات حادة بين المؤسسات الرسمية فيما بينها وبين منظمات المجتمع المدني فيما بينها أيضاً، فسببت بذلك شرخاً في المجتمع، واحتاج الأمر إلى تدراك سريع لدمل الجراح قبل اتساع الرقع على الراقع. ومع ذلك فلا تزال القضية تثار من وقت لآخر ، ربما لأمر في نفس يعقوب.

وهناك أيضا كتاب آخر باللغة الصومالية من نتائج المؤتمر سيصدر عن المركز، يتضمن تقريراً ضافياً عن وقائع المؤتمر وأوراقه ومناقشاته ومخرجاته وبيانه الختامي، بالإضافة إلى خلاصة مركزة  معدة خصيصاً لتقديمها للجهات الرسمية المعنية.

ويرجو المركز أن يكون هذا الكتاب مفتاحاً لحوار علمي مجتمعي مفتوح وجاد حول هذا الموضوع ، ووأن يكون تسديداً لمسيرة الجهات المعنية بهذه القضية دراسة ومتابعة وتشريعاً وسياسات وغيرها رسمسة كانت أو شعبية، وأن يفيد منه الباحثون المهتمون والمؤسسات والمراكز العلمية على حد سواء.

الشكر  للجهات المساهمة في إنجاز المؤتمر : وقبل الختام أود توجيه الشكر والتقدير للجهات التي أسهمت في إنجاح بشكل أو بآخر، وهم جهات عدة:

أولها: العلماء والأساتذة الباحثون المشاركون بالأبحاث والأوراق العلمية والمداخلات وإدارة الجلسات في المؤتمر.

ثانيها: اللجنة التحضيرية المنظمة للمؤتمر التي سهرت الأسابيع والليالي لتحقيق هذا الإنجاز العلمي الفريد من نوعه.

وثالثها: الداعمون مالياً لقيام المؤتمر من الشركات والأفراد، وفي مقدتهم :بريمير بنك (premier bank)، وبنك الصومال العالمي (IBS) ، والأستاذ الفاضل النائب البرلماني وقتها ووزير التربية والثقافة والتعليم العالي الفيدرالي حالياً الأستاذ فارح شيخ عبد القادر لدعمه المادي للمركز وللمؤتمر  والمعنوي بالتشجيع والمشاركة في المؤتمر، والشيخ علي محمود حسن (علي وجيز) وغيرهم.

والجدير بالذكر أن المركز وأنشطته – بما فيها المؤتمر الأول والثاني – كلاهما نموذج للمشاريع المحلية فكراً ونشاطاً ودعماً، حيث لم يتلق حتى الآن أي نوع من أنواع الدعم من أية جهة خارجية : هيئات أو حتى شخصيات.

وفي الختام أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا جهد المقل ، وأن يجعله علماً نافعاً وعملاً خالصاً لوجهه الكريم إنه ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 للتحميل اضغط الرابط

 

 

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn