افتتاح: قال الله تبارك وتعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)الأعراف.
بغتة في غفلة:
هجم فيروس كورونا الكرة الأرضية بغتة على حين غفلة من أهلها، منكبين على مصالحهم، متشتتين في سعيهم، منهمكين في معايشهم، بين ضجيج المصانع، وهدير المحركات، ودوي المدافع، في تنافس حاد على التكنولوجيا والتصنيع، في مسابقة جادة على الابتكار والإبداع، في حرب ضروس على الأراضي والبقاع.
بغتها كورونا فاختلف نظامها، واختلّ ميزانها، واهتزت أركانها، وانحنى أسيادها، واستوى سكانها، وتعالت الأصوات، وارتفعت الأنات، وراجت سوق الويلات، وانفضّت الجماعات، وخلت الجلسات، وتعطلت النشاطات، وسكنت الحركات.
فاختارت الدنيا الاعتزال والانقطاع والانغلاق، وتناصح الناس بالتباعد والتجافي والافتراق، حذرا من فيروس كورونا سريع الاختراق، المؤدي إلى الموت حتما بالاختناق، إن لم يتدارك بلطفه الخلّاق.
حيرة الأطباء:
في ثلاثة أمور لهذا الفيروس:
سببه: فهو لا يعدو كونه زكاما، أو إن شئت فقل: نوع من نزلات البرد، فهو لا يختلف عنها إلا في مضاعفة الأعراض، ولهذا زادوا على أعراضه وصف (شديد): صداع (شديد) حمى (شديدة) التهاب (شديد)، وهي كلها من أعراض النزلة والزكام.
سرعته: أسرع من الريح التي غدوها شهر وراحها شهر، فقد مر على قارات العالم كله في شهر أو شهرين، أما عدواه بين الأشخاص فأسرع من سريان النار في الهشيم.
سره: فلا تطعيم ولا تسكين ولا علاج، فحله العزلة والحجر والحظر، وتقطعت بهم الأسباب!!!.
تعدد الفتوى:
بما أن الفيروس سريع العدوى ينتقل بين كل شخصين بينهما أقل من مترواحد، والاجتماع للصلاة -جماعة أو جمعة- يقتضي رصّ الصفوف وإتمامها، وعدم ترك فرجات للشياطين، حيث تلتصق مناكب المصلين وأقدامهم، فإن هذا المظهر لا شك -عند الأطباء- هو البيئة الخصبة لانتشار الفيروس.
ولكون الدين الإسلامي أتى للحفاظ على كليات خمس منها النفس، ولأن شهود الجُمع والجماعات يؤدي إلى إتلاف النفس التي هي واحدة من الكليات الخمس، ثم إن حضور الصلاة مع الجماعة مصلحة ترتبت عليها مفسدةأكبر منها، والأصل أن درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة، ظهرت فتاوى متغايرة.
فهناك فتاوى على وتر التغليب بين المصالح والمفاسد!!!.
وفتوى أخرى على نغم التوكل والاستسلام للقضاء: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ولا عدوى ولا طيرة، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ، ولا يزال قوم يتأخرون عن الصلاة حتى يؤخرهم الله، ثم يختمون: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها.
وفريق آخر على القياس حريص، فيستشهد بالطاعون، والنفر الذي حجرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج المدينة لتلقي العلاج، من ألبان إبل الزكاة وأبوالها.
تعطل المصالح:
لا أسواق لا مستشفيات، ولا مدارس ولا جامعات، لا حفلات لا اجتماعات، وربما لا تقام جمعة ولا جماعة في معظم البلاد التي ضربتها موجة الفيروس، كل في عطلة إجبارية في منزله أو في مقر إقامته، كل في إجازة طارئة عن عمله.
تم إغلاق المنافذ، وصد المداخل، تحولت مدارج المطارات إلى ملاعب، وشوارع السيارات إلى ساحات، وابتعد الحبيب عن حبيبه أمتارا، وتزحزح المشتري عن البائع أشبارا، وارتدى الحريص على نفسه القفازات والكِيْس، ولا مصافحة ولا تلحيس، حتى لا تُتهم بالتعدية والتدليس.
المجهول:
كل ذلك انتظارا لمجهول، وحذرا من مجهول، ولا تزال الأرقام تزداد إصابة ووفاة، وتستنجد الأمم ولا صريخ لهم ولاهم ينقذون، تكاد المؤن بالنفاد في بعض البلاد، وفي بعضها قد نفدت، ولم يتغير في الوضع كثير يُلمس أو يوصف.
خطورة الفيروس:
يشهد لخطورة الفيروس مئات البراهين، ويكفينا في السياق:
أولا: اجتياح الفيروس للدول الكبرى والقوية.
ثانيا: إزهاق الفيروس أرواح الآلاف من البشر في دول متطورة حريصة على الاعتناء برعاياها.
ثالثا: استسلام الرؤساء والملوك (جبابرة الأرض) وإطلاقهم صافرة الإنذار لمواطنيهم.
رابعا: إصابة الفيروس لمسؤولين رفيعي المستوى في دوg توصف بالعلم والقوة.
خامسا: عجْز شركات الأدوية ومصانعها عن اختراع مضاد أو علاج للفيروس.
سادسا: لجوء العالم كله إلى العزلة والحظر والحجز رغم ما يترتب عليها من تعطل كثير من المصالح، ولكن تعطلها أهون من فوت الإنسان وموته.
همسة في أذن كورونا:
بصراحة-يا كورونا- بلدي الصومال ليس مكانا مناسبا لانتشارك، هنا لا خدمات صحية، ولا إصحاح بيئة، ولا أطباء ولا مختبرات، هنا لا أدوية فعالة، لا بيئة صالحة للعزلة والحجر، هنا لا شيء ضدك كل شيء معك -يا كورونا- فبالتالي لا داعي لنزولك بثقلك، يكفيك طلّة ثم طلعة.
لكن -يا كورونا- هنا الله ربنا وربك، ونحن متوكلون (عَلَى اللَّهِ رَبِّنا وَرَبِّك ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّنا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وإذا مرضت فهو بشقين:
المؤمن مبتلى، وعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء، والأمراض وإن كانت في الأصل مصائب إلا أنها ابتلاءات: “ونبلوكم بالشر والخير فتنة” وليس التحدي في قبول الابتلاء، وإنما التحدي في تجاوزه، وليس التجاوز -بالضرورة- بسلامة الأبدان بل هو –والله- بسلامة الأديان، فكما يصان البدن من الأمراض والأسقام، يصان الدين من الخرافة والأوهام.
ومن جملة ما يجب أن يصان الدين منه:
شعوذة الدجالين: بوصفهم أدوية روحية وبدنية على غير هدى من الله، أو أثارة من علم.
تلبيس الأفاكين: بضربهم الأرقام ووصفهم الأوهام، وجعلهم الوباء المنتشر علامة كاذبة لحادثة آتية، أو جعلهم الوباء تصديقا لنبوءة أو تفسيرا لحدس.
غلو المتنطعين: بإطلاقهم جهلا أن هذا المرض لمن حاد الله ورسوله، مع أن الدلائل تضافرت بأن المرض لا دينه له ولا مستوى.
باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
ساعة من نهار 29 مارس 2020م
د. أبوبكر محمد معلم حسن (الخليفة)