خلاصة المحاضرة الخامسة بعنوان: الضروريات الخمس، ص: (152 – 178)
أولا: تسميات متكاملة ومتقاربة المعاني:
- الضروريات الخمس
- الكليات الخمس
- الأصول الخمسة
- الأركان الخمسة
ثانيا: أدلة الضروريات الخمس:
عادة ما تكون أقوى أدلة للقضايا الكبرى – كقضية مقصدية الشريعة نفسها- استقراء الشريعة، لأنها أحكام وأوصاف تطلق على الشريعة كلّها، فتحتاج إذا إلى استقراء الشريعة كلها، ولذلك يلجأ العلماء دائما في تقرير القضايا الكلية وإثباتها إلى الاستقراء حتى ولو نطق بها دليل معين، لأنها أي القضايا الكلية، تحتاج إلى أقوى دليل ممكن لها، وأقوى دليل هو الاستقراء لأنه جمع للأدلة وتركيب لمجمل الأدلة.
ثالثا: أدلة جزئية على الضروريات:
ورغم أنه تمت الإشارة إلى أن أدلة الضروريات تكون في استقراء الشريعة كلّها، إلا أن جانبا من العلماء تلمس الآيات والأحاديث الجامعة لها.
ومنها ما نبه عليه الشيخ ابن عاشور من أن آية سورة الممتحنة متضمنة لهذه الضروريات: “يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يُشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولايأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن غفور رحيم” فهذه آية واحدة جمعت الضروريات الخمس أو أربعة صريحة منها هي: 1. حفظ الدين في “أن لايشركن بالله شيئا“، 2. وحفظ المال في “ولايسرقن“، 3. وحفظ العرض والنسب والنسل في: “ولا يزنين“، 4. وحفظ النفس في “ولايقتلن أولادهن“.
وهناك من الأحاديث ما يجمع هذه الضروريات في موضع واحد منها الحديث الّذي رواه عبادة بن الصامت وهو من أهل بدر ومن أصحاب ليلة العقبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: “تعالو بايعوني على أن لاتشركوا بالله شيئا، ولاتسرقوا، ولاتزنوا، ولاتقتلوا أولادكم، ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف… إلى آخر الحديث”.
رابعا: ترتيب الضروريات:
يعدّ ترتيب الضروريات الخمس مسألة لها أهميتها وآثارها في فقه الشريعة وأولوياتها وموازينها، إلاّ أن العلماء والفقهاء لم يتفقوا على ترتيب واحد، فمنهم من يعطي الأولوية بحفظ الدين أولا ثم تتبعه بقية الضروريات، ومنهم من يولي الأولوية بحفظ النفس ثم ما يتبعه من الضروريات الأخرى. غير أن الترتيب الّذي سار عليه معظم الأصوليين هو الترتيب الّذي اعتمد عليه الغزالي، وهو كالتالي: حفظ الدّين، ثم النفس، ثم العقل، ثم النسل، ثم المال. لكن سيف الدين الآمدي له ترتيب آخر يختلف قليلا عن ترتيب الغزالي، وقد دافع الآمدي عن ترتيبه وعلله في كتابه “الإحكام في أصول الأحكام”، وترتيبه كالآتي: الدين، النفس، النسل، العقل والمال، فالاختلاف بين الغزالي والآمدي في الرتبة الثالثة والرابعة، فالثالثة عند الغزالي للعقل، وعند الآمدي للنسل، والرابعة أيضا على العكس بينهما.
أما الدكتور أحمد الريسوني فيرى أن هذا الترتيب الإجمالي النظري قد يكون قليل الجدوى من الناحية العملية، لأن الضروريات لا يتصور الاستغناء عن بعضها أو تقديم بعضها وإسقاط بعضها، فهي لا تكون إلاّ كاملة ولا تقوم الحياة إلا بها مجتمعة، وكذلك لا ينفع هذا الترتيب من الناحية الفعلية إذ معناه إمكان التضحية بالرتبة اللاحقة وهذا غير ممكن في الضروريات إلاّ في الحالات العرضية الجزئية.