خلاصة المحاضرة السادسة بعنوان: المراتب الثلاث للمصالح، ص: (179 – 198)
أوّلا: مستند تقسيم المصالح:
يستند تقسيم المصالح إلى المراتب الموضحة أدناه، إلى قانون التفاوت والتفاضل الّذي يقوم على فكرة واضحة معتادة في التقسيمات الرتبية التي تشير إلى وجود مراحل ودرجات عليا، وأخرى متوسطة، وثالثة دنيا. فهذا المبدأ التفاوتي أو التفاضلي والترتيبي هو المنطلق الأساس لتقسيم المصالح، إذ إن الواجبات مهما كان عددها فليست على درجة واحدة، فهناك واجب، وأوجب، وأقل وجوبا، وآكد وجوبا. وهكذا في المندوبات والمحرمات والمكروهات، وعلى هذا تنبني رتب المصالح والمفاسد.
ثانيا: المراتب الثلاث للمصالح:
للمصالح ثلاثة مراتب هي:
- المصالح الضرورية ومنها فعل الواجبات وترك المنكرات.
- المصالح الحاجية ومنها فعل السنن المؤكّدة.
- المصالح التحسينية أو التتمات أو التكميلات ومنها فعل المندوبات التابعة للفرائض أو المستقلة.
ثالثا: توضيحات للمراتب الثلاث:
- مرتبة الضروريات: الضروري من المصالح كما يعرفه الشاطبي وغيره هو: ما يؤدي فقدانه إلى الانخرام والاختلال للحياة الدينية والدنيوية مما يستتبع التهارج والفوضى والهلاك في الدنيا، وأما الآخرة فضرورياتها ما يؤدّي تضييعه إلى الخسران والعذاب المهين.
- مرتبة الحاجيات: أما الحاجيات فيعرّفها الشاطبي بأنها ما يُفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق والحرج والمشقة. أما ابن عاشور فيعرّف الحاجيات بأنها ما تحتاج الأمة إليه لاقتناء مصالحها وانتظام أمورها على وجه حسن، بحيث لولا مراعاته لما فسد النظام، ولكنه كان على حالة غير منتظمة، فلذلك كان لا يبلغ الضروري.
- مرتبة التحسينيات: ويعرّفها الغزالي بأنها: ما لايرجع إلى ضرورة ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتيسير للمزايا والمزائد ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات. أما ابن عاشور فيعرّف مرتبة التحسينيات بأنها: ما كان بها كمال حال الأمة في نظامها، حتى تعيش آمنة مطمئنة ولها بهجة منظر في مرآى بقية الأمم، حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا في الاندماج فيها، فإن لمحاسن العادات مدخلا في ذلك.
رابعا: حفظ المصالح وجوديا وعدميا:
وللشاطبي في هذا الموضوع قول جامع حيث يقول: “والحفظ لها – يقصد الضروريات وإن كان كلامه يصدق على كل المصالح- يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. وثانيهما ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
وخلاصة القول: فما يقيم المصلحة ويثبتها، بتهييئ أسبابها ووسائلها، وتحصيلها وتكثيرها، فهذا هو حفظها حفظا وجوديا، وهي الأغراض النفعية بتعبير الجويني. وما يصونها ويدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقّع، أي بسن التدابير الوقائية وسدّ ذرائع الفساد والضرر، وبتغيير المنكر عند وقوعه فهو الحفظ العدمي لها، وهي الأغراض الدفعية بتعبير الجويني.