مصطلحات مقاصدية (1)

(١) #التفسير_المقاصدي:

تفسير النصوص على أضرب ، فمنه : الظاهري ، والباطني ، ومنه التفسير المقاصدي الذي توسط، فكانت له مميزات في الفهم والتاويل .

وتجد الإشارة إلى أن معاني “التفسير المصلحي” تتقارب مع دلالات “التفسير المقاصدي”، إلا أن الأول يستعمل في استنباط الاحكام أكثر، والثاني يستعمل في تفسير اي القران الكريم.

التفسير المقاصدي في الاصطلاح المقاصدي:

مصطلح التفسير المقاصدي من المصطلحات التي بدأ تداولها يظهر ويتزايد في الفترة الأخيرة، فظهوره مرتبط بالصحوة المقاصدية المعاصرة ، وهويعبر عن قسم من أقسام “علم التفسير”؛ ولذلك قد نجده يذكر بصيغة “التفسير المقاصدي للقرآن الكريم” .

وقد عرف كل من نشوان عبده خالد ورضوان الأطرش التفسير المقاصدي بالقول: ” ذلك النوع من التفسير بالرأي المحمود الذي يهتم ببيان الأغراض والمقاصد التي تضمنها القرآن، وشرعت من أجلها أحكامه، ويكشف عن معاني الألفاط، مع التوسع في دلالاتها، مراعياً في ذلك قواعد التفسير بالمأثور ، والسياق ، والمناسبات”.

كماعرفه د. وصفي عاشور أبو زيد بقوله: ” لون من ألوان التفسير يبحث في الكشف عن المعاني المعقولة والغايات المتنوعة التي يدور حولها القرآن الكريم كلياً أوجزئياً مع بيان كيفية الإفادة منها في تحقيق مصلحة العباد”.

فالحاجة الى المقاصد متعددة، ومن مجالاتها تفسير النصوص وبيانها ، اذ في العمل التفسيري يتجلى أثر المقاصد في تسديد الفهم والاستنباط ؛ لأن المعنى لايستقى من مجرد الظواهر والمعاني اللغوية، وإنما هناك المعاني السياقية ، والمقاصد الثانوية في النص ، قال د. أحمد الريسوني: “ان الالفاط ودلالاتها اللغوية الأصلية ، ليست هي المحدد الوحيد للمعاني والدلالات الشرعية، بل لابد من البحث عن المعني السياقي ومقاصد الشرع فيه”.

وقد أوجب ابن عاشور على المفسر معرفة المقاصد التي جاء به القرآن الكريم لتوجه تفسيره للقران ، قال: “أليس قد وجب على الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء القران لتبيانها،فلنلم بها الآن بحسب مابلغ إليه استقراؤنا ، وهي ثمانية أمور، “وهي على سبيل الإجمال إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح ، وتهذيب الأخلاق ، والتشريع، وسياسة الأمة ، والقصص وأخبار الأمم السابقة ، والتعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين ، والمواعظ والانذار والتحذير والتبشير ، والإعجاز بالقران ليكون آية دالة على صدق الرسول.

ثم قال: ” فغرض المفسر بيان ما يصل إليه أو مايقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأباه اللفط من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن ، او مايتوقف عليه فهمه أكمل فهم، اويخدم المقصد تفصيلاً وتفريعاً”

فالتفسير المقاصدي للنصوص يستحضر مقاصد القران ومقاصد التشريع . ويُعَدُّ تفسير “التحرير والتنوير” لابن عاشور أهم أنموذج للتفسير المقاصدي، وسأكتفي في هذا المقام بمثالين يجليان هذا الأمر.

المثال الأول:
ماجاء في تفسيره لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..) سورة البقرة :282. وبعد أن بيَّن حكم الأمر في الآية مرجحاً أن الكتابة هنا للوجوب لا للاستحباب علَّل رأيه بقوله: “ومقصد الشريعة تنبيه أصحاب الحقوق حتى لا يتساهلوا ثم يندموا، وليس المقصود إبطال ائتمان بعضهم بعضاً، كما أن من مقاصدها دفع موجدة الغريم من توثّق دائنه، اذاعلم أنه بأمر من الله. ومن مقاصدها قطع أسباب الخصام”.

فيلاحظ أن الاستدلال بقاعدة “الأمر للوجوب” استدلال منازع فيه لانها قاعدة خلافية ، فالأمر قد يفيد الوجوب كما قد يفيد الندب، وهذا الاحتمال الأخير هوالذي ذهب اليه الجمهور.

لكن الإمام ابن عاشور توسَّل بالاحتمال الأول لموافقته الجانب المقصدي من تشريع توثيق الديون التي تتغيى حفظ كليِّ المال، واتقاء التناع والخصام، وغير ذلك من المقاصد التي يناسبها القول بالوجوب دون القول بالندب.

والمثال الثاني:
يتجلَّى في تفسيره لقوله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾. الحج:37. إذ بين رأيه في تصبير لحوم الهدي ، وقد عرض غير مرة سؤال عما إذاكانت الهدايا أوفر من حاجة أهل الموسم قطعاً أو ظنا قريباً من القطع، كما شوهد ذلك في مواسم الحج، فما يبقى منها حياً يباع وينفق ثمنه في سد خلة المحاويج أجدى من نحره أو ذبحه حين لايرغب فيه أحد، ولوكانت اللحوم التى فات ان قطعت وكانت فاضلة عن حاجة المحاويج يعمل تصبيرها بما يمنع عنها التعفن فينتفع بها في خلال العام أجدى للمحاويج.

وقد ترددت في الجواب عن ذلك أنظار المتصدين للإفتاء من فقهاء هذا العصر، وكادوا أن تتفق كلمات من صدرت منهم فتاوى على أن تصبيرها مناف للتعبد بهديها.

أما أنا فالذي أراه أن المصير إلى كلا الحالين من البيع والتصبير لمافضل عن حاجة الناس في أيام الحج، لينتفع بها المحتاجون في عامهم، أوفق بقصد الشارع تجنباً لإضاعة مافضل منها رعياً لمقصد الشريعة من نفع المحتاج وحفظ الأموال مع عدم تعطيل النحر والذبح للقدر المحتاج اليه منها المشار اليه بقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) الحج:36 وقوله (كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ) الحج:37 ، جمعا بين المقاصد الشرعية”.

فنلاحظ في هذا المثال أن الامام ابن عاشور خالف الفقهاء المحرمين لتصبير اللحوم لاعتبار مقصدي وهو حفظ المال . فالقائلون بالتحريم غلبوا جانب التَّعبُّد، بخلاف ابن عاشور الذي رجَّح من منطلق مقاصدي جليّ تصبير اللحوم ؛ لأنه موافق لمقصد حفظ المال بالإضافة إلى مقاصد أخرى.

فالتفسير المقاصدي ضرب من إعمال المقاصد في التفسير والبيان والترجيح، ويقترب معناه من مصطلح “التفسير المصلحي” ، إلا أن هذا المصطلح يستعمل في “التفسير” أكثر ، فيكون المقصود بالتفسير المقاصدي تفسير القرآن الكريم بمراعاة مقاصده العامة، ومقاصده السياقية للآية.

#معجم_المصطلحات_المقاصدية، إعداد عدد من الباحثين ، إشراف وتحرير د. أحمد الريسوني

وقد تضمن كتاب (#مقاصد_القرآن_الكريم ) عدداً من الأبحاث تتعلق بالتفسير المقاصدي ، منها:
(1) بحث الدكتور وصفي عاشور أبو زيد بعنوان (نحو تفسير مقاصدي للقرآن الكريم: رؤية تأسيسية) .
(2) بحث الأستاذ أحمد كافي بعنوان (مقاصد القرآن الكريم من خلال “التحرير والتنوير” للعلامة ابن عاشور : قواعد منهجية).
(3) بحث الأستاذة فريدة زمرد بعنوان (مقاصد القرآن واثرها في التفسير )
(4) بحث الدكتور مولاي عمر بن حماد بعنوان ( أصول التفسير ومقاصد القرآن) .

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn