مصطلحات مقاصدية (4)

(4) الاجتهاد_المقاصدي:

ظهر مصطلح “الاجتهاد المقاصدي” مع الصحوة المقاصدية المعاصرة وتتجلى أهميته في توجيه الفهم وتنزيل المقاصد وهو حسب د. أحمد الريسوني : “أهم مافي نظرية المقاصد وهي الغاية القصوى لها، والفائدة الكبرى منها ، وأعنى بذلك أثرها في فهم الشريعة والاجتهاد في أحكامها والاهتداء بهديها والسير في ضوء مقاصدها”.

وقد تقرر هذا الربط بين المقاصد والاجتهاد عند أبي اسحاق الشاطبي الذي اعتبر أن أول شروط الاجتهاد “فهم مقاصد الشريعة على أكملها”.

وقد كثر رواج المصطلح منذ ظهور كتاب ” الاجتهاد المقاصدي” للاستاذ نور الدين الخادمي .

ولما كان مصطلح المقاصد قد أفرد بالدراسة في موضعه من هذا المعجم (معجم المصطلحات المقاصدية)، فلنتجه الآن إلى النظر في معنى الاجتهاد ، ثم الاجتهاد المقاصدي.

#الاجتهاد_في_اللغة :

الاجتهاد من الجهد ، ويراد به الطاقة أو الغاية . قال الجوهري : الجَهد والجُهدُ الطاقة ، والجَهد: المشقة ، يقال : جَهد دابته وأجهدها ، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، وجهد الرجل في كذا ، اي جد فيه وبالغ وجهدت اللبن فهو مجهود ، أي أخرجت زُبده كله، وجهدت الطعام اشتهيته . وجهد الرجل فهو مجهود من المشقة ، يقال : أصابهم قحوط من المطر فجُهِدوا جهداً شديداً. وجَهِد عيشهم بالكسر ، أي نكد واشتج ، والجَهادُ بالفتح: الأرض الصلبة ، وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهاداً، والاجتهاد والتجاهد : بذل الوسع والمجهود.

وقال الازهري : الجهد بلوغك غاية الأمر الذي لاتألوا على الجهد فيه . ويرى ابن السكيت أن الجهد هو الغاية ، قال الفراء: بلغت به الجهد اي الغاية، ويقال أجهد لك الطريق وأجهد لك الحق أي برز وظهر ووضح.

ويفرق بين الجَهد والجُهد بأن الأول هو الطاقة والثاني هو المشقة، والأول أعظم، ” فان الضم أقوى من الفتح، وكلما كانت الحروف او الحركات أقوى كان المعنى اقوى”.

انطلاقا مماسبق يمكن حصر الدلالات “ج ه د” في بذل الوسع ومايتصل به من المبالغة والجد والإخراج والمشقة ، وتعتبر الدلالة الأولى مركز الدلالات وقطب الرحى الذي تؤول اليه أغلب الدلالالة المذكورة ، فالإخراج في معنى الجهد، وسميت الأرض الصلبة الجَهاد، لمايقع فيها من المشقة اثناء عملية الحرب . ويمكن اعتبار الظهور والوضوح الغاية من بذل الجهد.

#الاجتهاد_في_القران_والسنة:

ذكر مشتقات “جهد” عشرات المرات في القران الكريم ، منها قوله تعالى “ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه” (العنكبوت:6) ، وقوله تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين) (العنكبوت:69 )، وقواه تعالى: ( ام حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) [آل عمران:142].

ومن موارد اللفط في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:” اذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، واذا جكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر” ، ويقرب معنى الاجتهاد المذكور في الحديث من المعنى الاصطلاحي للاجتهاد كما يعد هذا الحديث أحد ركائز القول بالاجتهاد.

وتجدر الإشارة إلى أنه وردت في السنة معان أخرى تشترك مع الدلالات اللغوية السالفةالذكر ، منها ماجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ” تعوذوا من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء”.

وجاء في حديث أم معبد ” شاة خلفها الجهد عن الغنم” . قال ابن الأثير : “قد تكرر لفط الجَهد والجُهد في الحديث ، وهو بالفتح المشقة وقيل المبالغة والغاية، وبالضم الوسع والطاقة ، وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة، فاما المشقة والغاية فالفتح لا غير، ويرد به في حديث أم معبد في الشاة الهزل ، ومن المضموم حديث الصدقة: اي الصدقة أفضل؟ قال: جُهد المقل، أي قدر مايحتمله حال قليل المال”.

#الاجتهاد_المقاصدي_في_الاصطلاح_المقاصدي:

فصَّل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في مناحي احتياج الفقيه الى معرفة مقاصد الشريعة ولخصها في خمسة أنحاء، وهي : فهم أقوالها، والبحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد ، والتي استكمل إعمال نظره في استفادة مدلولاتها، وقياس مال لم يرد حكمه في أقوال الشارع على حكم ماورد حكمه فيه بعد أن يعرف عِلَلَ التشريعات الثابتة، وإعطاء حكم لفعل أوحادث حدث للناس لايعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة، ولا له نظير يقاس عليه، ثم تلقِّى بعض أحكام الشريعة الثابتة عند تلقِّى من لم يعرف علل أحكامها ولاحكمة الشريعة في تشريعها، فهو يتهم نفسه بالقصور عن ادراك حكمة الشارع منها، ويستضعف علمه في جنب سعة الشريعة، فيسمى هذا النوع بالتعبدي”.

وتتميما لهذا النظر ومجالاته ذكر الشيخ عبد الله بن بيه أنه يستنجد بالمقاصد في أكثر من عشرين منحى من مسائل الأصول.

ومن أشهر من أطلق المصطلح د. نور الدين الخادمي، وعرفه بقوله : “العمل بمقاصد الشريعة، والالتفات إليها ، والاعتداد بها في عملية الاجتهاد الفقهي”.

ونلاحظ أن د. الخادمي قصر الاجتهاد المقاصدي على الاجتهاد الفقهي، لكن نجد إطلاقات أخرى تعمم المفهوم على كل المجالات نحو إطلاق د. أحمد الريسوني الذي رأى أن الاجتهاد المقاصدي “مؤسس على استحضار المقاصد واعتبارها في كل مايقدره أو يفسره، ليس في مجال الشريعة وحدها، بل في كل المجالات العلمية والعملية”.

ووفق هذا المدلول الموسع استعمله د. جاسر عوده، إذ عرفه بقوله : “الاجتهاد المقاصدي هو إعمال المقاصد منهجاً نظرياً في تناول الموضوع أيا كان ، ومنطقاً في قلب عملية التفكير فيه، ومعياراً لسلامة النظر الجديد من عدمه”.

وطُبِّق الاجتهاد المقاصدي في المجالات التي لم يرد فيها نص، أو النوازل الجديدة المرتبطة بقضايا الأسرة أو المعاملات المالية والسياسية الشرعية والقضايا الطبية وغيرها. ومما يمكن التمثيل به مسالة “نقل الدم على سبيل التبرع من شخص صحيح إلى من يحتاجه لإجراء عملية جراحية أوتعويض الفقر الدموي أو نحوه، فهو جائز ومرغب فيه لما فيه من التعاون على البر والتقوى، وإدامة المعروف والإحسان وإسهاماً في إنقاذ النفوس من الهلاك والموت بسبب الحوادث والأمراض، فهو بهذا محقق لمقصد حفظ النفوس وومقصد حفظ الدين من ناحية تربية الناس على معاني التعاون والمواساة والتضحية ودرء الأنانية والجشع ، وتحبيبهم في أحكام الله ورسوله الداعية إلى فعل المعروف وإدامته”.

معجم المصطلحات المقاصدية

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn