مصطلحات مقاصدية (6)

(6) لنظر_المقاصدي:

النظر_المقاصدي_في_اللغة:

النظر_لغة:

جاء في مقاييس اللغة : “نظر” النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع فروعه إلى معنى واحد ؛ وهو تأَمُّلُ الشيء ومعاينته . والنظر : حس العين . تقول نظرت إلى كذا وكذا ، من نظر العين ونظر القلب .

والنظر: تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ، وهو الروية . يقال نظرت فلم تنظر أي : لم تتأمل ولم تترو.

واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة ، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة ، ويقال : نظرت إلى كذا: إذا مددت طرفك إليه ؛ رأيته أولم تره . ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته . قال تعالى ( اولم ينظروا في ملكوت السموات والارض) [الاعراف:185] . فلذلك حث على تأمل حكمته في خلقها.

والمناظرة : المباحثة والمباراة في النظر ، واستحضار كل مايراه ببصيرته ، والنظر: البحث، وهو أعم من القياس ؛ لأن كل قياس نظر، وليس كل نظر قياساً.

قال الزركشي في البحر المحيط : “النظر لغة :الانتظار وتقليب الحدقة نحو المرئي والرحمة والتامل” .

المقاصدي_لغة : وأما المقاصدي ؛ فينظر في مصطلح القصد.

النظر_المقاصدي_في_القرآن_والسنة:

أما النظر فمن القران قوله تعالى: ( أولم ينظروا في ملكوت السمات والارض ) الاعراف:185 ، (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) الانعام:11 ، (والأمر إليك فانظري ماذا تامرين) النمل 33 ، ( فانظر ماذا ترى) الصافات:102 ، ( أفلاينظرون إلى الابل كيف خلقت)الغاشية:17 .

واما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم :

– “ان هذا العلم دين؛فانظروا عمن تاخذون دينكم” أخرجه مسلم في صحيحه، باب أن الإسناد من الدين.

– ” اني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علىَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما” . أخرجه الترمذي في باب مناقب أهل البيت.

– ” فانظروا ماهذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء” ، أخرجه البخاري في باب الجهر بالقراءة صلاة الفجر.

– “المرء على دين خليله ؛ فلينظر أحدكم من يخالل” أخرجه الموطأ في باب جامع الحديث.

– ” فزنى العنين النظر”. أخرجه مسلم في صحيحه ، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره.

وأما مصطلح “المقاصدي” في القران والسنة فينظر في مصطلح “القصد”.

#النظر_المقاصدي_في_الاصطلاح_المقاصدي:

#النظر :

هذا المصطلح قديم التداول في الفكرين الكلامي والأصولي بالخصوص ، وهوبمعنى الإبصار والفكر في أصله اللغوي . والإبصار هو عمل البصر ، والفكر هو عمل العقل ، وهو عين الاجتهاد كماصرح بذلك د. فريد الانصاري رحمه الله في كتابه “المصطلح الأصولي” فيما نصه : ” يرد “النظر” مرادفاً لمصطلح “الاجتهاد” ، وهو بهذا المعنى كثير لدى أبي اسحاق “. وساق له من الشواهد مادلل به على صحة ملحظة هذا منها، قول الامام : “فحاصل الأمر أن جمع المصحف كان مسكوتاً عنه في زمانه عليه الصلاة والسلام ، ثم لما وقع الاختلاف في القرآن وكثر….صار جمع المصحف واجباً وراياً رشيداً في واقعة لم يتقدم بها عهد ؛ فلم يكن فيها مخالفة ، ولا لزم أن يكون النظر في كل واقعة لم تحدث في الزمان المتقدم بدعة ، وهو باطل باتفاق ، لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم لقواعد الشريعة ، وإن لم يشهد له أصل معين ، وهو الذي يسمى المصالح المرسلة.

والنظر تعاريفه في الاصطلاح كثيرة ، منها ما يلى :

قال القاضي أبوبكر الباقلاني “النظر هو الفكر الذي يطلب به من قام به علماً او ظناً، وهو مطرد في القاطع والظني”.

وعرفه الإمام الجويني بما نصه : ” فالنظر عندنا مباحثة في أنحاء الضروريات وأساليبها…. فإذا استد النظر وامتد إلى اليقين والدرك ؛ فهو الذي يسمى نظراً “.

وقال فيه الإمام الصنعاني “النظر في الاصطلاح : الفكر المطلوب به علم أو ظن ، والفكر انتقال النفس بالمعاني انتقالاً بالقصد”.

وبعبارة أسهل “النظر هو أن يُعمل الإنسان ذهنه لإثبات المعلومة أو نفيها”.

#النظر_المقاصدي:

هذا المركب الوصفي مصطلح حديث التداول في الفكر المقاصدي المعاصر ، ومعناه يتضح بيسر من خلال استعمالاته وسياقاته . ومن ذلك قول د. أحمد الريسوني : “يقتضينا النظر المقاصدي البحث عن الحكمة أو الحكم المصلحية المطلوبة في الحكم ، فإن أمكننا معرفتها والاطمئنان إليها راعيناها وبنينا عليها تنزيل الحكم وتحديد مناطقه ومتعلقاته ؛ أي ما يدخل فيه ومالايدخل ، وما يغتفر فيه وما لايغتفر، ومايلحق به وما لا يلحق به… فهذا من صميم اعتبار المقاصد”.

وهو يرى كذلك أن ” الالتفات إلى مقاصد الأحكام والمصالح المرتبطة بها أمر لازم ، لكي نحفظ مقاصد الشارع في أحكامه ، فإن كثيراً من الأفعال والتصرفات لاتقف مصلحتها أو مفسدتها عند وقت وقوعها أو وقت الحكم عليها ، بل تكون لها مآلات وعواقب وآثار مستقبلية في الزمن القريب او البعيد . فقد يكون الأمر مصلحة في بدايته وحاله ، ثم يصبح مفسدة في عاقبته ومآله . وقد يكون عكس ذلك. وقد يكون التغير المآلي في الحجم والأثر لا في الاصل ، بحيث يتضاءل ماكان كبيراً ويعظم ماكان ضئيلاً. فالنظر المقاصدي الكامل هو الذي يستشرف تلك المآلات والعواقب ، ويأخذها بعين الاعتبار متى كانت راجحة الوقوع ، بحسب سنن الله تعالى وماهو معهود في خلقه..”.

وقد عرفه د. محماد رفيع في كتابه (النظر المقاصدي: رؤية تنزيلية ) بقوله: ” أقصد بالنظر المقاصدي ذلكم الاجتهاد الذي يستثمر مقاصد الشريعة في الإجابة عن قضايا العصر تشريعاً ، وتوجيه الفعل الإنساني تسديداً”.

على أن مصطلح النظر المقاصدي ، وإن كان حديث التداول بلفطه هذا ، فان مضمونه قديم قدم الراسخين في العلم والاجتهاد .

وفيما دوَّنه أمثال الغزالي والعز وابن تيمية وابن القيم والشاطبي في هذا الصدد من قواعد النظر المقاصدي خير ما يترجم عن أهميته المنهجية في فقه الشريعة وتنزيلها في مختلف مشاكل الحياة وتقلباتها.

ويكفي أن نسوق هنا ثلاثة نماذج نصية معبرة عن قوة هذا النظر ورسوخه عند أئمة العلماء :

1. #نص_ابن_تيمية_في_معالجة_ظاهرة_البدع_والمنكرات:

” فإذا أمكن لإنسان ألايقدم مُظهِراً للمنكرات في الإمامة وجب ذلك . لكن إذا ولاه غيره ، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان هو لايتمكن من صرفه إلابشر أعظيم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولادفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين ، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان . ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً. فإذا لم يمكن منع المُظْهِر للبدعة والفجور إلابضرر زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك . بل يصلى خلفه ما لايمكنه فعلها إلاخلفه ، كالجمع والأعياد والجماعة ، إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج والمختار بن عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة ، فان تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بإمام فاجر لاسيَّما إذا كان التخلف عنهما لايدفع فجوره ، فيبقى ترك المصلحة الشرعية دون دفع تلك المفسدة”.

2. #نص_العز_في_كيفية_التعامل_مع_ولاة_الجور:

“إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدَّمنا أقلهم فسقاً، مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع ، وفسق الآخر بالتضرع للأموال ، قدَّمنا المتضرع للأموال على المتضرع للدماء والأبضاع، فان تعذَّر تقديمه قدَّمنا المتضرع للأبضاع على من يتعرض للدماء ، وكذلك يترتب التقديم على الكبير من الذنوب والأكبر والصغير منها والأصغر على اختلاف رتبها ، فإن قيل : أيجوز القتال مع أحدهما لإقامة ولايته وإدامة تصرفه مع إعانته على معصيته؟ قلنا: نعم دفعاً لما بين مفسدتي الفسوقين من التفاوت ودرءاً للأفسد فالأفسد، وفي هذا وقفة وإشكال من جهة أنا نعين الظالم على فساد الأموال دفعاً لمفسدة الأبضاع وهي معصية ، وكذلك نعين الآخر على إفساد الأبضاع دفعاً لمفسدة الدماء وهي معصية ، ولكن قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة ، كما تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة”.

3. #نص_الشاطبي_في_الإقدام_على_تحصيل_المصالح ولو اعترضتها بعض المحظورات:

” إن القواعد المشروعة بالأصل، إذا دخلتها المناكر، كالبيع والشراء والمخالطة والمساكنة ، إذا كثر الفساد في الأرض، واشتهرت المناكر، بحيث صار المكلف عند أخذه في حاجته وتصرفه في أحواله لايسلم في الغالب من لقاء المنكر أو ملابسته.
فالظاهر يقتضي الكف عن كل مايؤدي به إلى هذا ، ولكن الحق يقتضي أن لا بد له من اقتضاء حاجته ، كانت مطلوبة بالجزء أو بالكل . وهي إما مطلوب بالأصل، وإما خادم للمطلوب بالأصل ، لأنه إن فرض الكف عن ذلك أدى الى التضييق والحرج ، أو تكليف ما لايطاق . وذلك مرفوع عن هذه الأمة، فلابد للإنسان من ذلك ، لكن مع الكف عما يستطيع الكف عنه وما سواه فمعفو عنه. لأنه بحكم التبعية لابحكم الأصل ، وقد بسطه الإمام الغزالي في كتابه الحلال والحرام من الإحياء على وجه أخص من هذا . فإذا أخذ قضية عامة استمر واطرد”.

#فهذه_ثلاثة_نماذج_من_النظر_المقاصدي ، تكشف عن معناه وحقيقته ، كما تبين أصالته وضرورته ونجاعته في الاجتهاد الرشيد ، وخاصة في الأحوال المشتبهة المعقدة .

#وبناء_على_كل_ماتقدم ؛ فإن النظر المقاصدي يعني النظر في النوازل والمسائل ، فحصاً وتشخيصاً ومعالجة ، في ضوء مقاصد الشريعة ومصالحها المعتبرة . فهو مصطلح قريب من مصطلح “الاجتهاد المقاصدي” الذي تقدم تعريفه في الحلقة السابقة.

معجم المصطلحات المقاصدية

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn