بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين.
وبعد فإن مركز تكوين العلماء مؤسسة علمية مستقلة عالمية تسعى لتخريج العلماء الربانيين الجامعين بين العلم بالشرع والبصر والواقع متمثلين قول الله تعالى؛ (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله).
أسسه صفوة من العلماء والدعاة الشناقطة على رأسهم سماحة العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو. وحاول مؤسسوه الجمع بين تجربة المحظرة الشنقيطية الأهلية وأخواتها كالأزهر والزيتونة وتجربة الجامعات المعاصرة.
وقد غلب التركيز في البرنامج العلمي على تجربة المؤسسات الأهلية العتيقة من خلال الكتب المنتقاة في كل التخصصات والتي تضمن الرسوخ العلمي والعمق المعرفي إضافة إلى مداخل للعلوم الإنسانية والمهارات الضرورية، كما غلب التركيز في الوسائل والأدوات على تجربة المؤسسات المعاصرة.
فتمت تشكيل هيئات إدارية تضمن المؤسسية وأهم هذه الهيئات؛
- المجلس الإداري والمالي الذي يضع الاستراتيجية والخطط والقوانين المنظمة ويقوم بالرقابة والمتابعة.
- المجلس العلمي التربوي الذي يضع البرنامج العلمي والتربوي ويراقب تنفيذه.
- المكتب التنفيذي الذي يباشر تنفيذ الخطط وتطبيق البرامج وتتبع له الإدارات والمصالح المختصة.
إضافة إلى توزيع البرنامج إلى مراحل متعددة (إعدادية وثانوية وجامعة ودراسات عليا) والاستفادة من وسائل التقويم الحديثة.
ويقوم العمل في المركز على أربع ركائز يرى القائمون عليه أن النجاح في اختيارها ورعايتها يضمن بإذن الله تعالى بلوغ الهدف وتحقيق الغاية.
وهذه الركائز هي:
- البرنامج العلمي المتميز
- الأستاذ المتميز
- الطالب المتميز
- البيئة المتميزة
ويقوم البرنامج العلمي للمركز على ثنائيات أبرزها؛
- ثنائية التعليم والتربية: فبالإضافة إلى البرنامج العلمي الشامل الجامع لمختلف المعارف الشرعية واللغوية وغيرها من المعارف الخادمة ثمت مقرر تربوي يركز على محورين أساسيين:
- محور: يسعى لغرس قيم الخير في نفوس الطلبة: من (صدق، وأمانة، وفاء، عدل، صبر، إحسان، ورع، زهد، إيثار، أخوة وتعاون).
- محور: يسعى للتربية على المعاملة مع الله والمعاملة مع خلق الله). ويسعى إلى اكتشاف وتطوير مواهب وملكات الطلاب في المجالات المتنوعة. فهو بذلك يجمع ما تفرق بين مدارس العلم والعمل، بين المحاضر والزوايا، بين المدارس الفقهية ومدارس السلوك، إذ العلم كما قيل ينادي بالعمل فإن إجابه وإلا ارتحل.
- الثنائية الثانية: ثنائية الحفظ والفهم: فلئن كانت المراحل الأولى في المركز (الإعدادية والثانوية والجامعة)، يركز فيها على حفظ أمهات الكتب وفهمها واستيعابها، (فإن المرحلة العليا للمركز تهدف إلى صياغة العقول وإطلاق القدرات، وتفتيق الملكات.. فهي مرحلة الانتقال من تجميع المعلومات إلى استثمارها، ومن ترديدها إلى تمحيصها، ومن تلقيها إلى إنتاجها.. بما يعنيه ذلك من تحديات وما يكتنفه من مخاطر.
فخصوصية المركز التي يراد لها أن تميزه عن المؤسسات الجامعية الشرعية التقليدية والمعاصرة، تتمثل في سمة الموسوعية التي يسعى لصبغ خريجيه بها، من خلال تمكينهم من الجمع بين تخصصات متعددة وفق نظام التوالي بدل نظام التوازي السائد في غيره.)
فهو بهذا يجمع بين حسنات التعليم المحضري القائم على استحضار النصوص وفهمها وبين حسنات التعليم المعاصر الذي ينمي ملكات الاجتهاد ويفجر طاقات البحث.
- الثنائية الثالثة: ثنائية (الفقه بالواقع والفقه بالواجب فيه)، فهما فقهان أساسيان لا غنى لأحدهما عن الآخر ولا غنى لعالم عنهما.
إذ لا يكون الفقيه فقيها حتى يجمع بين فقه النصوص وفقه الأحوال الواقعية، ولذلك يقول القرافي رحمه الله «وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تٌجْره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين».
ومن ثم كان ضمن البرنامج الأكاديمي للمركز مداخل عن العلوم الخادمة لفهم الواقع (التربية وعلم النفس ومناهج البحث والاقتصاد والقانون وعلوم الحاسوب واللغات الخ).
ونظرا لسمو الهدف ونبله وقلة من يصلح له، فقد وضع القائمون على المركز معايير لاختيار طلبته أساسها الذكاء والتميز العلمي؛ حيث يتم اختيارهم من خلال مسابقات شفافة تمر بثلاث مراحل بالنسبة للمرحلة الثانوية والجامعية ومرحلتين بالنسبة للمرحلة الإعدادية.
هذا وقد حرص المركز على توفير بيئة لائقة لطلابه تتوفر فيها أهم وسائل الراحة من مطعم ومسكن ورعاية طبية بالإضافة إلى مكتبة تتوفر فيها أبرز أمهات الكتب التي يحتاج إليها طالب العلم، وبرامج ترفيهية تروح عن القلب عناء مكابدة الدرس وتكتشف فيها مهارات الطلاب الفنية والأدبية، استنانا بما كان عليه المربون من سلف هذه الأمة:
وروح القلب بذكر الطرف فإن ذلك صنيع السلف
واختير لتدريس هذا البرنامج ورعاية طلابه خيرة من الأساتذة المتميزين علميا وتربويا يختارون وفق معايير تضمن كفاءتهم وأهليتهم.
وقد نمت على هامش هذا المشروع مشاريع مباركة خادمة للمجتمع من أبرزها:
المشروع الأول:
مشروع مركز تكوين العلماء أونلاين:
وقد جاء تحقيقا لرغبة كثيرين تمنعهم ظروفهم من الرحلة لطلب العلم وشجعت عليه قلة تكاليفه ووجود برامج معينة عليه بالإضافة إلى التجربة التي عشناها مع التدريس عن بعد أيام الجائحة.
غير أن الإدارة رأت أن تكون انطلاقته بصورة متدرجة تبدأ بالمرحلة الجامعية أولا ثم نتبعها المراحل الأخرى كما فعلنا بشأن المركز الواقعي.
وقد انطلقت بحمد الله المرحلة الجامعية منه منتصف هذه السنة وقد تم إجراء امتحانات الفصل الأول وكانت نتائجها مبهرة بح مد الله. ومن الضروري التنبيه على أن البرنامج العلمي هنا أخف بكثير من البرنامج الأصلي.
المشروع الثاني: مشروع الإجازة في القرآن الكريم:
وقد جاء إطلاق هذا المشروع استجابة لطلب الكثير من المدارس القرآنية في دول الجوار خاصة السنغال ومالي وغامبيا المتمثل في حاجتها إلى قراء مهرة في كتاب الله يقودون المدارس القرآنية فيها على أن يختار طلابه سنويا من خلال مسابقة تجرى في تلك الدول ويستقبل المركز المتميزين فيها ويخضعون لدورة تكوينية خلال سنتين يتخرجون منها بالإجازة في العشر بالإضافة إلى زاد معرفي لغوي وشرعي يؤهلهم لولوج مسابقة المركز السنوية ويرجع بعضهم أئمة ومدرسين في بلدانهم.
ويوجد الآن بحمد الله تعالى في المركز طلبة الدفعة الخامسة من هذا البرنامج أسأل الله أن يوفقهم وينفع بهم.
المشروع الثالث: مشروع محضرة تاج الوقار:
وهي محضرة قرآنية لرعاية اليتيمات وتحفيظهن القرآن الكريم لمدة سنتين في دورة تؤهلن لدخول إعدادية البنات بالمركز.
وقد حقق هذا المشروع نجاحا كبيرا لله الحمد، حيث حفظت أغلبهن القرآن الكريم كاملا خلال سنة وستتخرج دفعتها الثانية هذه السنة بحول الله.
المشروع الرابع: مشروع الدورات التكوينية المتخصصة وهو مشروع يستفيد منه الطلبة الذين يريدون تنمية ملكاتهم في فنون محددة، ويحتضن المركز الآن إحدى هذه الدورات التي يستفيد منها كوكبة من الطلاب.
المشروع الخامس: مشروع تكوين الأئمة والدعاة
وهو مشروع يعنى بتكوين الأئمة والدعاة وتطويرهم من خلال برنامج علمي مناسب لوظائفهم ودورهم في المجتمع.
نسأل الله أن يعين القائمين على المركز وكل المؤسسات العلمية والدعوية وأن يجعلنا جميعا من الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون.
كتبه الشيخ: محفوظ إبراهيم فال