لقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في تأثير حياة الأفراد والمجتمعات، إلا أنه لم يتم الوصول بعد إلى صفة موحدة يمكن وصفها بهذه الوسائل، ذلك أن المتكلمين في هذا المجال ذهبوا إلى مذاهب شتى، منها ما بين محذر من استخدامها أو الاقتراب منها على البتة، وداع إلى التوسط في استخدامها والاستفادة من منافعها دون مضارها، وآخر لا يرى حرجا في إدمانها والتنقل بين دروبها وملتوياتها دون تمحيص أو تمييز!
ورغم أني لا أضيف جديدا إلى ما سبق إلا أنني أود التأكيد على أن هذه الوسائل مثل غيرها من الآلات والوسائل التي يستخدمها الإنسان في السعي لتحقيق أهدافه وغاياته ومقاصده الدنيوية والأخروية، ومن هنا فمن أحسن استخدامها وأجاد تسخيرها فقد حاز خيرها ونفعها وابتعد عن شرها وضررها، ومن أساء استخدامها وأسرف فيها فقد فوت على نفسه الكثير مما له نفع في دنياه وآخرته.
وعليه فإن وسائل التواصل الاجتماعي كغيرها من الوسائل والآلات لها إيجابياتها وسلبياتها، فمن إيجابياتها أنها:
- وفرت كثيرا من التسهيلات، حيث إنها خففت عن أعباء طرق التواصل التقليدية بين أفراد المجتمع، كما أنها سهلت الاتصالات السريعة والآنية بين الأهالي والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل والدراسة.
- أصبحت مصدرا من مصادر العلم والمعرفة وجميع أنواع الأخبار السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها، بحيث يمكن أن تكون هذه الوسائل نفسها وبطريقة مباشرة مصدرا أساسيا للمعلومة العلمية أو الخبرية، أو قد توفر لطالب العلم وللباحث مراجع معتمدة تساعده على الحصول على المعلومات التي قد تساهم في تنمية مداركه العلمية والمعرفية، كما أنها قد تمثل للصحفي والإعلامي مصدرا إخباريا أو منصة إعلامية يستطيع من خلالها تحقيق سبق صحفي في قضية ما!
- تمثل مصدرا مهما من مصادر التسلية والترفيه والترويح عن النفس.
- تتيح فرصة كبيرة يستطيع المرء من خلالها أن يراقب تصرفاته ويوزنها بميزان الشرع بعيدا عن حظوظ النفس ومجاملة الآخرين، ليدرك أو يقيس مدى التزامه بأخلاق الإسلام الفضلى وقيمه العليا وآدابه المثلى، سواء كان ذلك فيما ينشره على هذه الوسائل أو فيما يتابعه ويشاهده من مواد معروضة على مختلف هذه الوسائل، إذ لديه الحرية الكاملة في اختيار متابعة ما يريده دون خوف من أحد غير الله، لما يتميز استخدام هذه الوسائل من توفير جو من الحرية الشخصية الكاملة، إذ بمقدور الفرد تخصيص نفسه وحصره عليها فيما يتابع ويشاهد دون معرفة الآخرين لذلك، مما يساعده على معرفة مدى التزامه بتعاليم الإسلام ومثله العليا من أخلاق فاضلة وآداب رفيعة!
إلى جانب تلك الإيجابيات هناك سلبيات ملحوظة على التكنولوجيا بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، ومن هذه السلبيات أنها:
- تمثل عاملا أساسيا في تفكك التماسك الأسري والاجتماعي لما أحدثته من انشغال معظم أفراد الأسرة بهذه الوسائل والإكباب عليها طوال الوقت.
- تمثل تهديدا قويا للأمن القومي لكونها ساحة مفتوحة لكل ما هب ودب، إذ يعج فيها مبادئ سياسية، وأفكار ثقافية، وآراء اقتصادية مغايرة لعقيدة المجتمع، ومخالفة لعاداته وتقاليده وثوابته العقدية، وفي ذلك خطر عظيم على مصير الناشئة والذين لم ينضجوا بعد فكريا وثقافيا وليس لديهم رصيد علمي وديني وأخلاقي يساعدهم على غربلة ما ينشر في هذه الوسائل من أفكار وآراء هدامة تستهدف وجود الأمم وكيانها.
- تلعب دورا كبيرا في نشر الإشاعات، وترويج الأراجيف والأكاذيب، وتناقل الشائعات والفضائح التي قد تهدد وجود الأمة وكيانها، لما تثير هذه الشائعات من صراعات قبلية وتناحرات سياسية قد تنتهي في بعض المرات إلى سفك الدم الحرام أعاذنا الله من ذلك.
- تمثل عائقا مؤثرا في سبيل تحقيق التربية الصحيحة للناشئة، كما تمثل _أيضا_ تحديا كبيرا تواجهه العملية التعليمية في كثير من المدارس الابتدائية والثانوية في البلاد لانصراف اهتمام الطلبة أثناء الحصّة الدراسية وانشغالهم بهذه الوسائل وقضاء معظم الوقت المخصص للأنشطة المدرسية في استخدامها.
وحتى نتمكن من تجنب أضرار هذه الوسائل مع الاستفادة من منافعها، لا بد من ترجمة الحلول والاقتراحات الآتية إلى واقع يشهده المجتمع المستخدم لهذه الوسائل، ومن هذه المقترحات:
- تحسين الفرد علاقته مع ربه وذلك بالامتثال لأوامره والاجتناب عن نواهيه. (تقوى الله ومخافته هي الأساس لإحداث تغيير جذري لكل المشاكل).
- تنمية الوعي الثقافي والعلمي للمجتمع بصورة عامة ومستخدمي هذه الوسائل بصورة خاصة.
- تنظيم دورات تدريبية وندوات علمية تساعد الفرد على ترشيد استخدامه للتكنولوجيا بصورة عامة، ووسائل التواصل الاجتماعي بصورة خاصة.
- وجود سلطة قوية فعالة ومؤثرة تستطيع حجب وحظر بعض البرامج والمواقع المهددة لكيان المجتمع ووجوده.