ظاهرة الفوركس في الصومال: المفهوم ، الآثار ، الأحكام

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الكرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

 

فإن مركز المقاصد للبحوث والدراسات بمقديشو مؤسسة فتية وفريدة من نوعها في القطر الصومالي وفي شرقي إفريقيا عموماً- بغض النظر عن تواضع قدراته ومحدودية امكاناته –  ويحاول أن يقتفي أثر المراكز البحثية والمعاهد العلمية التي تعنى بالمقاصد الشرعية ومعالجة قضايا الأمة ومشكلاتها في ضوئها في العالم، وهي قلَّةٌ قليلة ربما تُعَدُّ بأصابع اليد الواحدة؛ ذلك أن الدراسات في هذا المجال حديثة نسبياً، والاهتمام بها ازداد في العقود الأخيرة .

وانطلاقاً من اهتمام المركز بالإسهام في معالجة قضايا الأمة العلمية والعملية ومداراة مشكلات المجتمع المستجدة، عقد حلقة نقاش علمية حول موضوع: (صرف العملات الأجنبية إلكترونياً المسمى بالفوركس) في يوم الخميس 24 رجب 1441هـ – 19 مارس 2019م،  تدارس فيها  باحثون وخبراء من مختلف التحصصات أبعاد القضية المختلفة: المفهوم والمصطلح والأبعاد الشرعية، والقانونية، والاقتصادية، والأمنية.

وهذا الكتاب حصيلة هذا الحوار العلمي من الأوراق التي قدم بعضها في الورشة ونوقش، وبعضها الآخر تمخض عن النقاش العلمي الذي أثارته الورشة وامتد إلى ما بعد انفضاض الورشة؛ حيث استكتب عدد من الباحثين بعد ذلك لاستكمال جوانب الموضوع؛ نظراً لأن ممارسات عدد كبير من الشركات التي ظهرت في البلاد في الآونة الأخيرة وتقمصت مسمى “الفوركس “ أحدثت هزة اقتصادية واجتماعية في الكيان المجتمعي عموماً والمؤسسات المالية خصوصاً، فكان هذا الكتاب خلاصة هذا التدارس البحثي والحوار العلمي الذي أداره المركز خلال هذه الفترة.

ومما أسفرت عنه مداولات الورشة أن هناك فرقاً واضحاً وبوناً شاسعاً بين مفهوم “الفوركس” العالمي وممارسات الشركات الصومالية للفوركس؛ فالأخيرة تمارس أعمالاً أشبه ماتكون باحتيال ونصب الأموال من خلال الإغراء بوعود مزيفة بالفوائد الكبيرة والمضمونة، ثم الهروب بالأموال  إلى الخارج أو ادعاء الخسارة، وإيقاع الأضرار الجسيمة على شريحة كبيرة من المجتمع ومؤسساته المالية.

ويحتوي الكتاب على سبعة أوراق تناقش محاور مختلفة تشمل: المفهوم والممارسة، والمخاطر الاقتصادية، والأمنية، والإشكالات القانونية، بالإضافة إلى التكييف الفقهي في ضوء المقاصد الشرعية.

ففي الورقة الأولى وهي بعنوان : إشكالات ومخاطر سوق الفوركس في القطر الصومالي: نظرة قانونية مقاصدصة، يّجَلِّي الأستاذ سالم سعيد مفهوم الفوركس ويعرض أنواع المتعاملين الأساسيين في سوق الفوركس، كما يطرح أبرَز الإشكاليات المحاطة بالفوركس – النسخة الصومالية المعدلة – المتمثلة في: غياب الرقابة والتنظيم، والتغرير والنصب والاحتيال، وغياب الثقافة الاستثمارية لدى المواطن الصومالي، وإعاقة الاستثمار الحقيقي، ويستعرض في الورقة المعالجات القانونية لتداولات الفوركس الوهمية. كما ناقش معاملات الفوكس المتداول في الصومال في ضوء المقاصد الشرعية في الاستثمار وفي الحفاظ على المال، وخلصت الورقة إلى أن سوق الفوركس الصومالي ينطوي على مخالفات قانونية وشرعية، وأن صور المعاملات الراهنة فيه تدخل في إطار غسيل الأموال التي تشمل الاحتيال بالتجارة المجرمة في القانون الصومالي، كما تندرج شرعياً في إطار أكل أموال الناس بالباطل، وتناقض مقاصد الشريعة في الأموال من حيث الإنتاج والاشتثمار،  والتداول،  والشفافية، والحفاظ عليها من المخاطر.

وفي الورقة الثانية (ممارسات شركات الفوركس العاملة في الصومال وإشكالاتها القانونية في ضوء التشريعات الصومالية) يسلط الأستاذ عبد القادر عمر كاتب الضوء على الهيئات المالية المعنية بترخيص وتجارة الفوركس دولياً، وتسجيل الشركات المحلية العاملة في الفوركس من وزارة التجارة والصناعة، والتشريعات الصومالية التي تنظم المؤسسات المالية، بالإضافة إلى الإشكالات القانونية التي وقعت فيها شركات الفوركس العاملة في الصومال.

أما الورقة الثالثة بعنوان (ظاهرة فوركس وأثرها الأمني) بقلم الدكتور عبد الله عبد الرحمن، فتنفذ الى الفوركس من منظور أمني مقاصدي، باعتبار أن الحديث عن الأمن حديث في صميم مقاصد الشريعة الإسلامية وجوهرها المتمثل في دفع المضرة وجلب المنفعة، وأن وظيفة الأجهزة الأمنية في الأساس هي وظيفة مقاصدية تتمثل في الحفاظ على ذات الإنسان ومصالحه من العرض والمال، وتتناول الورقة مفردات ظاهرة فوركس الأساسية، وهي: الإنسان، والعملة، والإنترنيت، والعولمة. كما تتناول أصناف جرائم فوركس من جرائم المستثمرين، وجرائم القائمين على السوق، وجرائم القرصنة الإلكترونية، وخلاصة الأمر في خطر فوركس الأمني  “أنه يصنع مالاً مجهولاً، يدخل في جيوب أفراد وجهات مجهولة الذات والنشاط، وبيئة المال في الأصل هي بيئة موبوءة بالجرائم بمختلف أنواعها”.

وفي الورقة الرابعة (الفوركس في الصومال: المفهوم والمصطلح) يستعرض الأستاذ منير عبد الله الحاج عبده مفاهيم ومصطلحات: التكنولوجيا، والأسواق المالية، والتجارة الإلكترونية، والفوركس.

والورقة الخامسة تتناول موضوع (الفوركس من منظور الاقتصاد الإسلامي والوضعي “دراسة حالة الصومال”)، بقلم الأستاذ عبد الرحمن آدم سليمان البرعي، استعرض فيها بعد التعريف بالمفاهيم الأساسية، التوصيف الشرعي للفوركس من منظور الاقتصاد الإسلامي والقواعد الحاكمة لاستثمار النقود، كما استعرض الفوركس من منظور الاقتصاد الوضعي بقسميه الكلي والجزئي .

وفي الورقة السادسة (التكييف الفقهي لعمل شركات الفوركس في الصومال)، يتناول
الأستاذ محمد عمر أحمد: أصول تحريم المعاملات في الإسلام، وتصوير واقع تجارة الهامش (الفوركس)، ونقاش الآراء الفقهية المجيزة لتجارة الهامش، بالإضافة إلى محاذير الفوركس الشرعية ومخاطره عند المانعين، مع استعراض أقوال العلماء المعاصرين وفتاوي المؤسسات العلمية بشأنها.

والورقة السابعة والأخيرة وهي باللغة الإنجليزية تناول فيها الدكتور بشير عبد الصمد حريد موضوع (تجارة الفوركس وآثارها على الاقتصاد .. مراجعة وتحليل)، لخص فيها أهداف صرف العملات الأجنبية بتسهيل التبادل الجاري فقط، وأن العملات الورقية بحد ذاتها لا تمثل الاقتصاد الحقيقي، مشيراً إلى أن الإتجار بصرف العملات وحدها قد تؤدي إلى تعطيل الإنتاج الاقتصادي، كما يترتب على ممارسات شركات الفوركس في الصومال ندرة السيولة النقدية، والركود الاقتصادي في البلاد.

والظاهر أن هذه المخاطر الشرعية والقانونية والاقتصادية والأمنية ولاجتماعية كافية لزعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وهو ما يقتضي من أهل العلم توعية المجتمع من الانحدار في مثل هذه المزالق، ويتطلب من الجهات المختصة اتخاذ التدابير الوقائية والعقابية اللازمة تجاه ممارسة هذه العمليات المشبوهة.

والمركز إذ يقدم للقراء باكورة إنتاجه يرجو أن يكون هذا الكتاب إضافة نوعية في المكتبة، وإثراء للحراك العلمي الهادف لمعالجة قضايا المجتمع الراهنة، وإسهاماً في حل إشكالاته العملية في ضوء مقاصد الشرع الحنيف.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

 

للتحميل اضغط هذا الرابط

Share:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn